شابة في مقتبل العمر، وهبت نفسها لفعل الخير، في هذا الحوار الذي خصت به "صوت الأحرار" تقدم نسيمة نسيب تجربتها في العمل التطوعي، وتحدثنا عن لذة إدخال الفرح لقلب يتيم ومحتاج، كما تؤكد لنا أن فعل الخير لا يحتاج إلى إمكانيات ضخمة وأموال طائلة، بل يكفي وجود الإرادة والنية الطيبة، ولأنها تؤمن بأن الشعب الجزائري كان ولا يزال مثالا في التضامن، استطاعت مجموعة »بنات الخير« أن تلقى صدى كبيرا وتجاوبا واسعا من قبل المحسنين من خلال أنشطتها في مواقع التواصل الاجتماعي التي جعلت منها همزة وصل بين المحسنين والمحتاجين. بداية من هي مجموعتكم، وكيف جاءتكم الفكرة لتكوين"بنات الخير"؟ نحن لسنا جمعية بل مجموعة من النساء المتطوعات تنشط عبر موقع التواصل الاجتماعي »فيسبوك« في ولايتي الجزائر العاصمة والبليدة، ولقد بدأنا نشاطنا التضامني ضمن هذه المجموعة منذ أكثر من سنة، فقد كنا ننشط في جمعية خيرية سابقة لا أريد ذكر اسمها لعدم التشهير بها، غير أننا اكتشفنا بعد ثلاثة أشهر من العمل التطوعي، أن المسؤولة عندها كانت تستغل مساعدات المحسنين وتحولها لحسابها الشخصي، وعلى هذا الأساس قررنا نحن »كنا خمسة فتيات آنذاك«، الانسحاب من تلك الجمعية، وبعدها قررنا تكوين مجموعتنا الخاصة أسبوعا بعد مغادرتنا للجمعية سالفة الذكر، في البداية كنا نعتمد على إعاناتنا الشخصية لمساعدة المحتاجين الذي كنا نعرفهم بحكم تجربتنا الصغيرة في العمل التطوعي، فكنا نركز في بداية عملنا عل فئة المرضى الذين كنا نجمع لهم الملابس والأدوات شبه الطبية، والآن نحن نحصي حوالي 1100 متطوع يعملون معنا ليسوا جميعا أعضاء فاعلين لكن الجميع مجند لتقديم المساعدات ونشر الحالات عبر صفحاتهم بالفيسبوك وحتى تقديم الإعانات. منذ متى بدأتم النشاط التضامني؟ مباشرة بعد مغادرتنا الجمعية التي كنا ننشط بها، قررنا استئناف العمل فمن يعمل في هذا المجال لا يمكنه التراجع عنه أو التوقف عن فعل الخير، لم يمر أسبوع على مغادرتنا حتى قررنا تشكيل مجموعة بنات الخير »دير الخير وانساه«، وبالتحديد 21 أكتوبر 2014، أي نحن ننشط منذ حوالي سنة وقرابة شهر، وخلال هذه الفترة قمنا بزيارة لدار العجزة في حمام ريغة، ودار المسنين بالبليدة، أين نقلنا المساعدات للمحتاجين من أفرشة وملابس وجميع لوازم قاطني دور العجزة، وقررنا بعدها توسيع نشاطنا ليشمل المناسبات الاجتماعية والدينية على غرار الأعياد، عاشوراء، المولد النبوي الشريف، وكذا الدخول المدرسي، فقد خصصنا »قفف« سلات خاصة بكل مناسبة فمثلا في عاشوراء نقلنا المواد الغذائية والخضر واللحم للعائلات الفقيرة، وفي عاشوراء كمثله دعونا المتطوعين إلى تقديم الدجاج عوض اللحم لهذه العائلات فيما خصصنا »قفة« الأدوات المدرسية لتلاميذ الأسر المعوزة بمناسبة الدخول المدرسي، ولا يقتصر عملنا الخيري على الأسر فقط بل نحن نجري بالموازاة مع ذلك، زيارات إلى دور العجزة كدار العجزة بسيدي موسى، ومركز الأيتام المعوقين بالديار الخمس، ومركز مكافحة السرطان بالبليدة. ألا تفكرون في التقدم بطلب رسمي للحصول على اعتماد من أجل إنشاء جمعية؟ لحد الآن نحن ننشط بدون اعتماد، لسببين أولهما أننا نفضل العمل في الخفاء ففعل الخير لا يحتاج للإشهار، وثانيهما المشاكل البيروقراطية التي تواجهنا في حال تقدمنا بطلب رسمي لتشكيل جمعية خيرية، فبالإضافة إلى التعقيد الذي يميز ملف تكوين جمعية واحتمال التأخر في منحنا الاعتماد، نحن لا نتوفر على مقر للجمعية وهو شرط أساسي لتكوين الملف، فالكل ينشط من مكانه ونتواصل عبر الفيسبوك، كما أن انتظار الحصول على الاعتماد قد يعرقل عملنا الخيري ويعطل مصالح الناس خاصة عندما يتعلق الأمر بحالات مستعجلة، وأريد أن أوضح أنه وعلى الرغم من كوننا مجموعة من الأشخاص المتطوعين ولسنا جمعية معتمدة، غير أنني كمسؤولة عن مجموعة بنات الخير، وضعت قواعد تعد بمثابة القانون الداخلي للمجموعة، وأبرز ما فيها رفض استلام الأموال بشكل مباشر من أصحاب الإعانات، نجنبا لأي مشكل أو سوء فهم في المستقبل، نحن نتسلم أموال المعارف وأفراد العائلة أما الأغراب فلا نفضل أن تسلم مباشرة للمحتاجين أو ترسل لحسابهم الخاص. بما أنكم لا تتسلمون الأموال كيف توصلون المساعدات لأصحابها عندما يكون المحسنون من ولايات بعيدة؟ نحن نفضل في هذه الحالات وطبعا عبر رسائل في الفيبسبوك من المحسنين تعويض الأموال باقتناء الأشياء التي تحتاجها الحالات وغالبا ما تكون أدوية، ملابس أو حفاضات أو غيرها، حيث نقدم للمحسن قائمة بمستلزمات المحتاج بنفس قيمة المبلغ الذي سيتصدق به، وله الاختيار بعدها بين نقل مساعداته بشكل مباشر أو الترخيص لنا بنقلها إلى أصحابها، لكن في المقابل هناك حساب بريدي جاري نستعمله فقط في حال وجود حالة مستعجلة، ولقد سبق لنا أن تسلمنا أموال في شهر رمضان حين لم يكن الوقت يخدمنا حينها مع اقتراب عيد الفطر مما دفعنا إلى استلام أموال المتطوعين لاقتناء حاجيات العيد لأطفال العائلات الفقيرة، ولقد حرصنا على نشر صور كل المقتنيات التي جلبناها بأموال المتصدقين عبر صفحتنا الخاصة بالفيسبوك لإضفاء مزيد من الشفافية على عملنا التضامني. ما هي أبرز المشاكل التي قد تواجه العمل التطوعي في الجزائر؟ في الحقيقة ولله الحمد لا تواجهنا مشاكل كثيرة، ما عدا مشكل النقل، خاصة عندما نقوم بجمع المساعدات من باقي الولايات، أو تكون الحالة تقطن بمنطقة نائية، فمثلا اضطررت مرة إلى أخذ سيارتي أجرة للوصول إلى عائلة فقيرة تقطن بقرية في القليعة، غالبا ما أتنقل مع والدتي في سيارتها الخاصة، لكن يوجد شخص متطوع يساعدنا بتوفير النقل لنا عبر شاحنته، فغالبا ما أتصل به عندما تكون لدينا مساعدات يجب نقلها ما بين الولايات، هذا الشاب عاطل عن العمل وحصل على شاحنته ضمن برنامج الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب، وهو يحرص دوما على مساعدتنا ورغم ذلك هذا ليس حلا فنحن في حاجة إلى نقل خاص يكون متوفر في أي وقت وفي كل مكان. هناك مشكل آخر يواجهنا خاصة ونحن لا نملك اعتمادا لمجموعتنا، فمثلا تفاعلنا كثيرا مع حالة الطفلة مريم ساحلي التي قيل لنا إنها ضحية نقص التعقيم في غرفة العلميات الجراحية بإحدى العيادات الخاصة فأصيبت بحالة تسمم في الدم، وبالطبع نظمنا حملة للتضامن معها ومساعدتها على العلاج، ولقد تم بالفعل جمع مبلغ من المال بمساعدة المحسنين وصل إلى 360 مليون سنتيم، كما تكفلت الدولة بعلاج الفتاة غير أنه ويوم سفرها تم اكتشاف الجريمة التي كانت ترتكبها والدتها التي كانت تحقنها بالبول مما سبب لها تسمما في الدم، وحينها انتابنا خوف كبير من أن نفقد مصداقيتنا بين من قدموا لها المساعدة وبين تعرضنا للمساءلة في حال تم فتح تحقيق وظهر لدى المحققين أننا كنا نتصل دوريا بوالدة الفتاة، المهم على الرغم من أننا مجموعة هدفها الأول والأخير فعل الخير إلا أن عدم توفرنا على اعتماد قد يضعنا في بعض المشاكل التي نحن في غنى عنها، ولكني أحرص على احترام القانون وعدم تجاوزه قبل كل خطوة أقدم عليها. كيف تتواصلون مع المحسنين؟ عندما تكون هناك حالة تحتاج إلى مساعدة يخبرنا عنها أشخاص بحكم أن مجموعتنا معروفة في المنطقة عند الكثيرين، ومباشرة نقوم بالتنقل شخصيا إلى بيت الحالة ونتأكد من أنها فعلا في حاجة على مساعدة وإذا تعلق الأمر بحالة مرضية نطلب الاطلاع على التشخيص الطبي الذي نستشير بشأنه أطباء هم أعضاء معنا في المجموعة لمعرفة الأدوية التي يحتاجها المريض والكيفية التي يجب أن يعالج بها، وبعد التأكد من حاجتها للعون، نقوم بنشر نداء عبر صفحتنا في الفيسبوك، ونرفق النداء بصور عن الحالة وبرقم هاتفي الخاص لتمكين من يريدون المساعدة من التواصل مباشرة معنا ونشرحهم لهم الحالة جيدا وبموجب ذلك يتم أخذ موعد مع المحسنين لجمع المساعدات بتحديد المكان والزمان المناسبين، وهناك نوعان من المحسنين نوع يضع ثقته فينا ويسلمنا مساعداته مباشرة، ونوع يفضل نقلها مباشرة للمحتاج فندله على عنوانه وكل المعلومات بشأنه. هل هناك جهات تمول مجموعتكم؟ لا توجد أي جهة تمول مجموعتنا صدقيني إن قلت إننا نجمع المساعدات من أشخاص بسطاء أكثر ممن يعيشون ظروفا مادية مريحة، فهناك أرملة وأم لأيتام تآثر مصروف أبنائها لتقدم جزءا منه للمحتاجين أنا شخصيا غالبا ما أرفض أن أقبل مساعداتها لكنها تصر في كل مرة، هناك أيضا شابة يتيمة عاطلة عن العمل وتسكن مع زوجة أبيها لكن ورغم مشاكلها الاجتماعية فهي تساعدنا بمصروفها اليومي ولو كان عشرات الدنانير، كما أننا نصادف أحيانا أشخاصا يبهروننا بتضامنهم مرة نشرنا نداء لمساعدة دار العجزة بحمام ريغة وضربت لنا صيدلية موعدا لاستلام المساعدات التي تبرعت بها، فتفاجأنا بأنها اقتنت كل ما تحتاجه قاطنات دار العجزة من ملابس، حفاظات أدوية، اشترت ملابس جديدة وغيرها من المستلزمات بقيمة 40 مليون سنتيم. ما هي أبرز الفئات التي تهتمون بها، وهل هناك حالات خاصة يمكنكم أن تحدثونا عنها؟ نحن نتعامل مع كل محتاج ونوصل صرخة المعوزين، أما بالنسبة للحالات الخاصة، فقد صادفتني بعض الحالات التي تدعو للاستغراب فأحيانا نجد مرضى يحتاجون إلى علاج استعجالي وأولياؤهم يحتفظون بالأموال لأنفسهم بدل الإنفاق على علاجهم، وهو الأمر بالنسبة للطفلة ندى ذات ال14 سنة والتي كانت ضحية خطأ طبي وكانت بحاجة إلى عملية زرع قرنية بمصر بمبلغ 220 مليون سنتيم، وبعد نشري لحالتها في الصفحة الرسمية للمجموعة، تفاجأت بوالدتها تطلب مني عدم إحضار الأموال إلى المنزل حتى لا يسطو عليها والدها، ذهلت في البداية لكنني تأكدت من كلام الأم عندما عرفت أنه يملك سيارة وأنه رفض بيعها لاستكمال مصاريف علاج ابنته، خاصة وأنها كانت تعاني من مشاكل نفسية بسبب الإعاقة التي أصابت إحدى عينيها والتي كان التلاميذ بالمدرسة يستهزئون بها بسببها، وكالعادة تفاعل المحسنون مع حالة ندى ووصلني طلب من انجلترا من شخص قرر التكفل بحالتها، لكن والدها وفور سماعه الخبر أصر على أن يرسل هذا الشخص الأموال لحسابه الخاص وأنا رفضت ذلك بالطبع لمعرفتي السابقة بنيته، مما أغضبه وهددني بالتبليغ عني كما أمرني بالكف عن نقل معاناة ابنته بحجة أنه والدها والمسؤول عنها، والنتيجة هي أن الطفلة لم تعالج وراحت ضحية أطماع والدها، كما أذكر حالة عدلان الذي تفاعل معه الجزائريون كنا قد ساهمنا في جمع المساعدات له، ودعمناه بسرير طبي يتوفر على جميع شروط الراحة على جانب عديد الحالات الإنسانية.