هل كان ينبغي أن تحدث التفجيرات الإرهابية في باريس حتى يعي العالم الغربي أن الإرهاب هو إرهاب، مهما كانت جنسية الإرهابي، ومهما كان المكان الذي ضرب فيه، ومهما كنت ضحاياه. إن ما حدث من إرهاب في العاصمة الفرنسية باريس يعتبر مؤشر خطير على تطور نوعي في العمل الإرهابي، فعندما يضرب الإرهاب في دولة فقيرة وضعيفة اقتصاديا وعسكريا، يمكن القول أن الإرهاب استأسد على هذه الدولة، مستغلا فقر الشعب من أجل التجنيد وضعف الدولة من أجل الضرب، لكن عندما يضرب الإرهاب في شكل استعراض قوة، عاصمة أوروبية تعتبر من أهم عواصم صناعة القرار في العالم ولها حق النقض في مجلس الأمن، ولها قوة اقتصادية وعسكرية ومستوى عال من الرفاه الاجتماعي، فهذا يعني أن الإرهاب أصبح يشكل خطرا على الجميع. هل شعر الغرب بخطورة الإرهاب؟ قبل التفجيرات الإرهابية في باريس بيومين، شهد العالم تفجيرات إرهابية في برج البراجنة في جنوبلبنان، خلفت عشرات القتلى، لكن العالم لم يهتز كما اهتز لتفجيرات باريس، كما يشهد العالم العربي يوميا أعمالا إرهابية خاصة في سورياوالعراق وليبيا واليمن وفلسطين بل حتى في السعودية والبحرين والكويت، بل إن العالم الإسلامي يشهد يوميا تفجيرات إرهابية وأعمال إرهابية خطيرة، مثل أفغانستان وباكستان ونيجيريا وبورما وغيرهم كثير، يذهب ضحيتها عشرات الأطفال والنساء والشباب الأبرياء، لكن لم يشعر أحد خاصة في ما يسمى العالم الحر، أن العرب والمسلمين يعانون ويلات الإرهاب، وكأن وفاة عربي أو مسلم يعتبر لا حدث، بينما وفاة أوروبي تعتبر حدث الأحداث، كأن الثاني إنسان بينما الأول ليس إنسان على الإطلاق. هل كان ينبغي أن تحدث التفجيرات الإرهابية في باريس حتى يعي العالم الغربي أن الإرهاب هو إرهاب، مهما كانت جنسية الإرهابي، ومهما كان المكان الذي ضرب فيه، ومهما كنت ضحاياه. بعد تفجيرات باريس كل العالم أدان الحركات الإرهابية، وكل العالم أدان داعش أو تنظيم الدولة الإسلامية، وباختصار كل العالم أصبح يدين الإرهاب بصوت جهور، لأنهم أحسوا بمرارة التفجيرات التي تنغص أمن المواطنين، وبشدة الحزن لفقدان الأحبة من الأهل والأصدقاء، وبنعمة الأمن الذي تفتقده معظم الشعوب العربية والإسلامية، بل حتى الأقليات المسلمة في عدد من بلدان العالم مثل الهند والصين ونيانمار وأوروبا والولايات المتحدة أيضا، كما أنهم بدؤوا يحسون بالخوف الذي تحس به معظم الشعوب العربية والإسلامية جراء تنامي ظاهرة الإرهاب. 11 سبتمبر مكرر في باريس يكاد المحللون يجمعون على أن العمل الإرهابي بتاريخ 13 نوفمبر في باريس هو نسخة مكررة عن 11 سبتمبر في نيويورك، من حيث النتائج التي ستترتب عنها. ذلك أن العمليات الإرهابية 11 سبتمبر 2001 هي التي أدت إلى التدخل الأمريكي في أفغانتسان ومن بعدها العراق ولم تستطع واشنطن إلى يوم الناس هذا من بناء دولة أفغانية جديدة أو دولة عراقية جديدة، دولة ديمقراطية كما قالوا دولة حقوق الإنسان حما قالوا، بل زرعوا أنظمة غير شرعية، وأنظمة دكتاتورية أكثر من دكتاتورية صدام حسين. فإذا كانت دكتاتورية صدام دكتاتورية لينة، فإن دكتاتورية المالكي في العراق دكتاتورية طائفية مذهبية صلبة. بعد 11 سبتمبر تنامت ظاهرة الفوبيا من الإسلام وتنامت ظاهرة الاعتداء على الإسلام والمسلمين أيضا، وكانت تلك حربا وهمية لم تفلح في اجتثاث الإرهاب، بل ساعدت على تفريخ الجماعات الإرهابية أكثر. وإذا كررت فرنسا ما يمكن تسميته بخطأ التدخل خارج حدودها عسكريا أو سياسيا مثلما حدث في ليبيا تحديدا ثم مالي من بعدها، وإذا راحت تعامل شعبها بسياسة الميز على أساس الدين رغم أنها علمانية، وعلى أساس الأصل أو اللون، فإننا لا نعتقد، وخاصة بالنظر إلى تركيبة المجتمع الفرنسي، أن يسهم ذلك في القضاء على الإرهاب. والآن.. بعد أن أصبح الإرهاب إرهابا؟ شيء طبيعي، وقد أصبح الإرهاب إرهابا، على الأقل في الخطابات الرسمية لزعماء الدول الغربية، أن يعلنوا الحرب على داعش، لكن نتمنى أن تكون الحرب هذه المرة حقيقية، لأن داعش ليست سوى حركة إرهابية مشكوك فيها، بل إن التحليل المنطقي يؤكد أنها الإرهاب الراهن أصبح وسيلة في السياسة الخارجية للدول الغربية، فبهدف التدخل في أي دولة، يجب أن يظهر فيها إرهاب لمحاربته. وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المسمى اختزالا داعش هو تنظيم عالمي، بدليل أنه يضم على الأقل 1800 إرهابي من جنسية فرنسية، وهذا معناه أن الإرهاب لم تعد جنسيته عربية ولا إسلامية، والأكثر من ذلك أن الدول الغربية مسؤولة عن إرهاب من نوع داعش، إرهاب يمتلك آخر صيحة من السيارات المنتجة في المصانع الغربية، وله آخر أنواع الأسلحة المصنعة في الغرب، فلا توجد دولة عربية واحدة تصنع ذلك النوع من السيارات أو ذلك النوع من الأسلحة الذي تستخدمه داعش، بل إن التقارير الدولية تشير إلى أن داعش يقوم حتى ببيع النفط، وبيع النفط لا يتم عبر جيوب الإرهابيين أو أكياس بلاستيكية، بل يتم عبر البواخر، فكيف تتمكن جماعة إرهابية من بيع النفط؟ ولمن تبيعه؟ وكيف تقبض الثمن؟ أليست الدول الغربية مسؤولة عن تنامي وتمدد داعش؟ فالتكنولوجيا التي تمتلكها أمريكاوفرنسا وأنجلترا وألمانيا وغيرهم تمكن من رصد أي حركة صغيرة على وجه الأرض، فلماذا لم يضربوا داعش وهي تقوم باستعراضات عسكرية كبيرة في شوارع ليبيا والعراق وغيرهما؟ عندما أرادت الدول الغربية أن تضع حدا لبن لادن وتنظيم القاعدة فعلت، وعندما تريد أن تضع حدا لداعش فإنها تستطيع أن تفعل ذلك وفي وقت وجيز. خريطة طريق لمحاربة الإرهاب إن القضاء على القاعدة وداعش لا يعني أبدا القضاء على الإرهاب، بل يجب انتهاج سياسة خارجية مغايرة لتلك التي تنتهجها حاليا والتي تعتبر مولدة ومفرخة للإرهاب، وتقوم هذه السياسة الجديدة المنشودة على ما يلي: 1 عدم التدخل السياسي ولا العسكري في شؤون الآخرين، مثلما حدث في العراقومالي وليبيا وسوريا فتم إسقاط أنظمة وزعزعة النسيج السياسي والاجتماعي لتلك الدول بدون أن تمكن الشعوب من إعادة بناء دول ومؤسسات أفضل من المؤسسات السابقة التي تم إسقاطها. 2 مساعدة الدول الفقيرة والضعيفة على تحقيق الاستقرار والتنمية، لأن الفقر والبطالة وعدم الاستقرار السياسي هي عوامل مولدة للإرهاب. 3 القضاء على كل أساليب الدعم للجماعات الإرهابية بما فيها دفع الفدية عن طريق تجريمها عن طريق مجلس الأمن. 4 مساعدة الدول الضعيفة على تقوية مؤسساتها، خاصة السياسية والأمنية، لتتمكن من ضبط أمورها الداخلية، فمثلا أدى ضعف الجيش اللبناني إلى أن أصبح حزب الله في جنوبلبنان بمثابة دولة داخل دولة، لأن قواته العسكرية أقوى من قوة الجيش اللبناني. 5 التعجيل في إيجاد حلول سياسية للأزمة في سوريا وليبيا واليمن. 6 حث الأنظمة العربية بدون التدخل في شؤونها سياسيا أو عسكريا على احترام حقوق الإنسان والتخلي عن الدكتاتورية في ممارسة شؤون الحكم. 7 إلزام إسرائيل بوقف ممارسة إرهاب الدولة في حق الشعب الفلسطيني، وهو الإرهاب المدعم سياسيا وعسكريا من قبل الدول الغربية نفسها. 8 إلزام إيران على احترام جيرانها وعدم إثارة الفتن الطائفية والمذهبية في المنطقة.