أبانت الدولة الجزائرية في سنوات السبعينات إلى مشارف الثمانينات عن بعض من اهتمامها بأفراد جالياتنا في الخارج، وحاولت تجسيد هذا الاهتمام في بعض جوانبه عن طريق ودادية الجزائريين بأوروبا، التي كانت أيام أحادية جبهة التحرير الوطني في السلطة، إلا أن هذا الاهتمام الذي كان مرشحا للتفعيل لاحقا في التعامل مع المهاجرين على أساس مبدأ الحقوق والواجبات قد انكسر وتلاشى مع مقدم التعددية السياسية، وبذلك ظل أفراد جالياتنا بالخارج شبه مفقودي الصلة بوطنهم إلا من انتخاباته البرلمانية والرئاسية، وزيارات موسمية يقضيها بعضهم خلال عطلهم السنوية، والبعض الآخر يفتقد إلى كل شيء!. والجزائر هنا إذا ما قارنّاها بجيراننا شرقا وغربا وفق ما تحلو لبعض مسؤولينا المقارنة بهم هي من لها أكبر الجاليات عددا في أوروبا وغيرها من بلدان أخرى، ولا تحوز على أي دينار أو أورو أو دولار أو جنيه استرليني بمواقع تواجد جالياتها، في الوقت الذي تملك فيه المملكة المغربية، وتونس بنوكا وفروعا بنكية، دائمة المداخيل المالية في عدد من البلدان التي تتواجد بها جالياتها، وهذه البنوك والفروع البنكية هي التي تتكفل بكافة التحويلات المالية لأفراد جالياتها المهاجرة إلى كل من تونس والمغرب ومصر. ونشير إلى أن إنشاء هذه البنوك والفروع البنكية الوطنية بالخارج كان مطمح الدولة الجزائرية في السبعينات، ولكنه للأسف لم يتحقق حتى يومنا هذا، رغم المداخيل المالية الكبيرة التي يُذرّها على الاقتصاد الوطني، الذي هو في حاجة ماسة إلى هذه الموارد المالية المعتبرة، التي تقدر بملايير الدولارات، لاسيما ونحن نعيش مقدمات أزمة اقتصادية ومالية خانقة ومعقدة. أفراد جالياتنا وحتى قبل أن فكّرت المغرب وتونس ومعهما مصر في إنشاء هذا النوع من بنوك الاستثمار والتحويل المالي في الخارج كانوا على استعداد دائم لهضم هذا التفكير والتعامل معه، شريطة أن يُقابلوا بالتسهيلات والتحفيزات اللازمة، بعيدا عن التلاعبات غير المسؤولة بأموالهم، والتعقيدات البيروقراطية المثبطة لعزائمهم. وحسب الصندوق الدولي للتنمية الزراعية التابع لمنظمة الأممالمتحدة، فإن التحويلات المالية التي تقوم بها الجاليات الجزائرية هي أقل بكثير من التحويلات التي تقوم بها الجاليات المغربية والتونسية بالرغم من الفارق الكبير الذي تنفرد به من حيث العدد عن الجاليات المغربية والتونسية. هذا الصندوق الأممي أوضح أن المهاجرين الجزائريين في أوروبا كاملة حوّلوا إلى بلدهم خلال سنة مليار و850 مليون دولار، ومن فرنسا تحديدا 654 مليون دولار فقط لا غير، فيما حوّل المهاجرون المغاربة إلى بلدهم في نفس السنة من فرنسا وحدها مليارين و130 مليون دولار، ومن كامل بلدان العالم حوّلوا ما قيمته 6 ملايير و17 مليون دولار، بالرغم من أن عدد أفراد الجالية المغربية بفرنسا هو 928 ألف مغربي فقط، وهو أقل بكثير من عدد الجزائريين الذي كان قدّرهُ القنصل العام بسفارة الجزائر في باريس عبد الرحمان مزيان الشريف بما بين 3.5 و 4 ملايين جزائري، وهناك من أوصل عددهم إلى خمسة ملايين بين جاليات رسمية، ومهاجرين غير رسميين، ونسبة 80 بالمائة منهم يتواجدون بفرنسا، وهي وجهتهم المفضلة حين ضاقت الجزائر بأبنائها في سنوات التسعينات. ومثلما هو الحال بالنسبة للجالية التونسية التي أفادت وتفيد بلدها من تحويلاتها المالية عبر البنك الوطني التونسي، والجالية المغربية التي أفادت وتفيد بلدها هي الأخرى عبر البنك الشعبي المغربي، الذي أسهم ويُسهم في تحويل نسبة 60 بالمائة من أموال المهاجرين المغربيين، كان الحال أيضا مع الجاليات المصرية في بلدان عديدة، أين استفادت مصر العربية ومازالت تستفيد من تحويلات أبنائها، ومن استثماراتهم التنموية بها عن طريق البنوك والفروع البنكية التي فتحتها في الخارج، نذكر منها بنك مصر، والبنك الأهلي المصري، وهي جميعها بنوك مملوكة من قبل الدولة المصرية. ولأن هذه البنوك وما تقوم به من تحويلات مالية معتبرة تُسهم في تنمية الاقتصاد الوطني، فإن الحكومة المصرية لا تضع أية قيود على هذه التحويلات المالية التي هي متواصلة منذ سنوات، ولا تفرض عليها أي نوع من العملة المُحولة بها، ولا تُثقل أصحابها بأية مصاريف إضافية أو أية ضرائب. بل بالعكس هي تكلف نفسها في تقديم كل التسهيلات والتحفيزات لهم، وتُغري من هم رجال أعمال وتصنيع ومقاولين كبارا للاستثمار في وطنهم مصر، وهو نفس الحال الذي يُروّج له المغرب، ويطرح أمام من يرغبون في الاستثمار به جملة واسعة من الإغراءات والتسهيلات والتحفيزات، وهذا للأسف ومن دون مزايدة أو تشنيع ما هو مفقود عندنا، ونحن اليوم وأكثر من أي وقت مضى بحاجة ماسة إلى تحويلات واستثمارات جالياتنا ومهاجرينا المقدرة بملايير الدولارات.