تعوّدت وسائل الإعلام الوطنية والدولية أن تختار رجل العام في نهاية كل سنة ميلادية، وهذا في شتى القطاعات، سياسية وثقافية ورياضية وغيرها، وهذا بناء على المنجزات التي حققها كل واحد. لو أردنا أن نختار شخصية العام في الجزائر، فليس هناك أفضل من اختيار عمار سعداني الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني. لقد استطاع عمار سعداني أن يترك بصمات واضحة في أحداث عام 2015، ويمكن أن نتلمس ذلك في أكثر من صورة ومشهد، منها على سبيل الاستدلال مواقفه الواضحة والجريئة من الكثير من القضايا الهامة، حيث تصنع تصريحاته الحدث السياسي. كان عمار سعداني حاضرا بقوة طيلة السنة، فالرجل ليس بالمجازف، لا ينطلق من الوهم ولا يتحدث عن الدولة المدنية اعتباطا، بل يبدو في خوض معاركه السياسية كمحارب لا يهدأ، سيفه مسلول في كل الاتجاهات، دفاعا عن الجزائر ومؤسساتها الدستورية. لم يكن دفاع سعداني عن رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة من باب التملق، بل عن إيمان راسخ بأن رئيس الجمهورية منتخب من الشعب في انتخابات حرة وشفافة، ولم يجاهر بما يؤمن به منذ سنوات طويلة بشأن " الحكم الموازي" بدافع الانتقام، بل كل الهدف وسيظل هو إقامة الدولة التي تضمنها بيان أول نوفمبر، وكانت الغاية هي إبعاد المؤسسة العسكرية عن الجدل السياسي، خاصة وأن الجيش الوطني الشعبي، الذي يحظى باحترام وتقدير كل الجزائريين، هو جيش وطني شعبي جمهوري، يضطلع بمهامه الدستورية في حماية حدود البلاد وصيانة الوحدة الوطنية وضمان الأمن والاستقرار. اعتلى سعداني المشهد السياسي طيلة العام، فهو المحارب من أجل دولة ديمقراطية، ترتفع فيها راية الحرية والعدالة وحقوق الإنسان وحرية الصحافة واستقلالية القضاء، لم يتعب في الدفاع عن كرامة المواطن الجزائري ومن الدعوة إلى أن تكون الطبقة السياسية منفتحة على الحوار ومنتجة للأفكار وقادرة على التنافس الشريف. لم ينكفئ عمار سعداني على ذاته، لم يكتف يتحقيق انتصار كبير لحزبه في المؤتمر العاشر، بل ظل مسكونا بهموم بلاده، خاصة في هذه الظروف، حيث تتهدد الجزائر عديد التحديات الاقتصادية والأمنية، فكانت مبادرته الوطنية، الهادفة إلى بناء جدار وطني، يحصن الجبهة الوطنية. من كان يتوقع أن الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني عمار سعداني، لذي يعد أول رجل جزائري يفتح النار جهرا وعبر وسائل الإعلام على مدير المخابرات السابق، سيبقى في منصبه كأمين عام للحزب بعد تلك التصريحات؟ ألم تتحدث جل التحليلات السياسية عن نهاية الرجل؟ لكن الحاصل أن الجنرال توفيق قد رحل في حين تمكن سعداني ليس من البقاء فحسب بل من تحقيق مكاسب سياسية، لا ينكرها إلا جاحد. إن قوة لتصريحات سعداني وما يتوفر عليه من شجاعة سياسية، وحدهما كفيلان بأن يجعل المتتبعين للحياة السياسية الوطنية يختارونه رجل العام، رغم الإختلاف حول تقييم تلك الخرجة السياسية الإعلامية. ألم يحتل عمار سعداني واجهة الأحداث السياسية، بطروحاته ومواقفه وانتقاداته لمجموعة 19 التي طالبت ملاقاة الرئيس بوتفليقة بعد أن اتهمته بعدم الحكم وأن هناك جماعة موازية تحكم نيابة عنه، ألم يصفها بالغريق الذي يستنجد بجنرال متقاعد؟ ألم يعبر سعداني بصراحة وشجاعة عن موقفه من محاكمة الجنرال حسان وعن لويزة حنون وشخصيات سياسية أخرى، ألم تكن تلك التصريحات هي المادة السياسية التي فرخت المادة الإعلامية لوسائل الإعلام؟ ألم تغير تلك التصريحات مجريات النقاش الإعلامي والسياسي الوطني؟. إن تلك الخرجات الإعلامية السياسية، المتسمة بالجرأة، جعلت جل المحللين يتوقعون انهزام حزب جبهة التحرير الوطني في انتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة، حيث ذهبت عدة وسائل إعلامية إلى إن سعداني سيجد نفسه وحيدا في مواجهة الجميع وتوقعت له الخسارة، لأنها تعتقد أن تصريحاته ستجلب له العزلة والفشل. لكن الحاصل هو أن سعداني تمكن من رفع التحدي وحقق الأفلان فوزا كبيرا في انتخابات مجلس الأمة، بحصاده 23 مقعدا، ويمكن أن نضيف لها 3 مقاعد أخرى هي لشخصيات أفلانية ترشحت حرة في أم البواقي وتبسة وقسنطينة، ليصبح بذلك الأفلان يملك 44 مقعدا في مجلس الأمة، وهو القوة السياسية الأولى في مجلس الأمة والمجلس الشعبي الوطني والمجالس الشعبية المنتخبة. لقد نجح سعداني، رغم خرجاته الإعلامية السياسية بخصوص توفيق وحسان ولويزة ، في بسط صدارة حزبه على الساحة الوطنية من خلال تحقيق انضباط المناضلين المنتخبين، ومن خلال جلب التأييد الحزبي لمنتخبيه، حيث صوت في انتخابات مجلس الأمة نحو 45 حزبا فضلا عن الأحرار. إن بصمة عمار سعداني واضحة، وهي بارزة في المشهد السياسي، فالرجل يتحلى بالكثير من الشجاعة السياسية، يقول ما يؤمن به وما يراه في خدمة الجزائر، رجل حوار، لم تثنه الزوابع والأعاصير والهجومات الشرسة على شخصه، من مواصلة الدفاع عن آرائه، لم يتراجع عن مواقفه ولم يتوقف في منتصف الطريق. إن اختيار عمار سعداني شخصية عام 2015 لا يعني أنه لا يوجد آخرون حققوا آداءات جيدة، لكن على الأقل ومثل الفرق في كرة القدم، قد تتساوى النقاط ويفوز بالبطولة من يسجل أهدافا كثيرة. إن سعداني هو من سجل أكثر الأهداف، فاستحق التتويج بالريادة.