يرى الكاتب والإعلامي المغربي عزيز باكوش، أن عملية تعريب عناوين الأنترنيت فكرة مطلوبة ومرغوب فيها كقيمة حضارية، وهي مبادرة تم الترويج لها خليجيا ثم تلتها تجارب مصرية، لكن المشكلة الرئيسية "التي تواجه هذه المقاربة تتمثل في صعوبة إيجاد وحدة للمفهوم وصيغة متفق عليها اصطلاحيا بين العرب من المحيط إلى الخليج على غرار"قوقل"، "جوجل"، و"غوغل". وفي ذات السياق كشف محدثنا في دردشة جمعته ب "صوت الاحرار" عن بحاجة ماسة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى مساءلة واقع لغتنا العربية والتماهي مع تجلياتها، ومقاربة أشكال حضورها عبر وسائط الإعلام اليوم، وهذا لنتمكن من ملك تلفزيونا حقيقيا يحمي الهوّية الوطنية لكل شعب عربي. نعانى من فجوة تتعلق بتعريب عناوين الأنترنيت على غرار "قوقل"، هل هذا يعد تشويش للمسألة؟ أعتقد أن عملية تعريب عناوين الأنترنيت فكرة تبدو مطلوبة ومرغوب فيها كقيمة حضارية، وهي مبادرة تم الترويج لها خليجيا قبل بضع سنوات، كما أن ثمة تجارب مصرية في هذا الاتجاه ، لكن المشكلة الرئيسية التي تواجه هذه المقاربة تتمثل في صعوبة إيجاد وحدة للمفهوم وصيغة متفق عليها اصطلاحيا بين العرب من المحيط إلى الخليج أولا، حيث نجد أن بعض المصطلحات التقنية لها تعددية في المفاهيم تدخل المصطلح إلى دائرة الالتباس، فتتعدد الأبنية والأنساق اللغوية انسجاما مع الموروث القطري، أكثر من بناء مفهوم يكتسي طابع الكونية. فهناك المصطلح سوري لبناني وآخر مغاربي والثالث خليجي وهلم جرا... خذ مثل كلمة "كوكل"، فهناك من يكتبها "قوقل" هناك من يرسمها "جوجل"، وآخر يرى أن "غوغل" هو الأصح، الى غير ذلك من المقاربات والتنويعات الشكلية التي تفتت المبادرات وتصيبها في مقتل. هذا إضافة إلى تشويشات أخرى ذات طابع ديني هنا تحديدا ينبت التشويش. هناك تعريب وترجمة لمصطلحات الأنترنيت، هل هذا يتناسب والتناسق العربي؟ أعتقد أن الترجمة ليست هي التعريب، الترجمة رغم بنائها الدلالي واستنادها إلى المنهج العلمي في اللغة تظل في أحيان كثيرة خائنة غير منصفة وغير بريئة، لكن في حالة التعريب مثلا ، يمكن لكل قطر عربي أن يعرف المفاهيم والمصطلحات وفقا لخصوصياته التي يعتبرها موحدة تاريخيا، فينتج لها مصوغات الذيوع والإنتشار اعتمادا على ما يمتلكه من إمكانيات تكنولوجية ورأسمال بشري، مؤهل ومتمكن. وبالنظر إلى ما يعيشه العالم العربي اليوم من تشرذم وتفاوت في السياسات وتناقض في الموقف إزاء قضايا تمس العمق الحضاري المشترك للأمة العربية والاسلامية ، فإن ذلك ينعكس على مستوى بلورة رؤية موحدة تجاه فعل الترجمة ذاتها، ما يعقد المسألة ويدفع بها في تجاه المبادرة الفردية مع عدم الاكتراث بجدوى نجاحها من عدمه. أصبحت هناك حالة مرضية مفادها التواصل عبر العالم بطريقة تفوق الحدود ، هل يأتي هذا سلبا أم إيجابا؟ نعم في ظل التحولات السريعة والمذهلة التي يعيشها العالم من حولنا ، بات لزاما التواصل عبر العالم بطرق تتناسب ومعايير انتفاء الحدود الجغرافية ، ولعل انتقال الأفكار والرساميل دون تأشيرة اليوم في القارات الست في صورته الحالية يجعل العالم مجرد تجمع فضائي صغير مسيطر عليه ويسهل احتواؤه والتأثير فيه سياسيا اقتصاديا وعولميا ، فمن يملك السلاح والمعرفة، يملك العالم ومن لا يملك الخبز والسلاح، فلا بد ان يكون عبدا، واضح هنا أن المتضرر الأول في هذه المعادلة هو العالم العربي ...والإسلامي بقليل من التحفظ لأنه مستهلك بالدرجة الأولى، ومفعول به سياسيا واقتصاديا، ولا يساهم في صناعة مصير العالم سوى بكونه يدفع بالعملة الصعبة... كاتب مختص في شؤون الإعلام في مختلف تجلياته، برأيك هل نمتلك نقدا تلفزيونيا يهدف الى حماية اللغة العربية؟ أعتقد أن السؤال في تقديري يجب أن يكون على هذا الشكل "لنملك تلفزيونا حقيقيا يحمي الهوّية الوطنية لكل شعب عربي"؟ هذا الاستلهام يجد مصوغاته في اعتقادنا الذي يشبه اليقين في أن أقوى خطر يهدد اللغة العربية يأتيها من هذا التلفزيون. ليس كجهاز أوآلة وإنما كمنهج عمل ثقافي وسياسي هذا الجهاز الذي دخل البيوت دون استئذان، وجد الوقت الكافي كي يعبث بالعقول ويضبع المشاعر ويعلب الأحاسيس وفق نسق تجاري مصالحي ليس إلا، وفي نهاية المطاف يجد الباحث المهتم أن التلفزيون على الطريقة العربية أكبر مذل للغة العربية وثان مستهجن لها بعد مواقع التواصل الاجتماعي ، ذلك أن عملية المسخ والتشويه للغة العربية سواء عبر وصلاته الإشهارية المائعة، والتي تستعمل فيها لغة الشارع، أو أحيانا عبر الأخطاء التي يرتكبها الإعلاميون والصحفيون أنفسهم كزلات اثناء تحريرهم لنشرات الأخبار أو خلال تقديمهم لبرامج مباشرة، تمس أكبر شريحة ممكنة من الناس، والنتيجة هذه اللغة الهجينة الممسوخة والمشوهة التي نجدها اليوم تتصدر مواقع التواصل الاجتماعي وتقدم نفسها بديلا ثقافيا ونموذجا يجب أن يحتذى المطلوب اليوم هو تظافر جهود مكونات الشعب بما في ذلك المثقفين من أجل إيجاد صيغة متفق في شأنها ، تجعل من التلفزيون أداة بناء وتنمية حقيقية للإنسان العربي بدل بوق للسلطة، كما هو عليه الشأن اليوم في كافة الأقطار العربية ...كما أن النقد الإعلامي في شقه التلفزيوني يجب ان ينصب على الجوهر بعيدا عن الشكليات والأمور التافهة. ألسنا بحاجة الى التدقيق اللغوي في صحافتنا وإعلامنا العربي؟ حتما، الحاجة ماسة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى مساءلة واقع لغتنا العربية والتماهي مع تجلياتها، ومقاربة أشكال حضورها عبر وسائط الإعلام اليوم، وهي مقاربة لها راهنيتها، سيما ونحن نعيش حقبة تاريخية حساسة جدا ،يسهم الإعلام في صناعة لغة الخطاب والتواصل بالمجتمع ، مثلما يسهم في صناعة الرأي العام، حقبة تتميز بانفجار عام في تكنولوجيا الإعلام والاتصال وهي تحولات عولمية حولت عالمنا إلى قرية صغيرة، يسعى فيها الأقوياء تكنولوجيا وإعلاميا إلى فرض لغتهم وثقافتهم وأسلوبهم في الحياة على الآخرين . من هنا الحاجة التدقيق والمعالجة اللغوية للنص قبل نشره حماية وصيانة للغة العربية نعتقد أن مضمون أو محتوى النص المكتوب والمنشور باللغة العربية في الصحافة الورقية أو الإلكترونية ، يتسم بأهمية بالغة، ويمكن للطريقة التي يُعرض بها ومدى صحته وتماسكه، وخلوه من الأخطاء الشائعة التي يمكن أن تغتفر، والأخطاء القاتلة التي لا يمكن أن تغتفر، أن تؤثر تأثيراً كبيراً في الحكم عليه (وفي الحكم على الكاتب شخصياً).كما تصيب اللغة العربية كأداة للتواصل في مقتل، وإذا كان من الأهمية بمكان في عالم اليوم، أن نكتب وأن نحرر بلا أخطاء؛ فلأن الأخطاء تنعكس على الوضع الاعتباري للكاتب الصحفي انعكاساً سيئاً، سواء أكان ما يقدمه للنشر والاستهلاك الإعلامي تغطية صحفية ، أو تحقيقا أو استطلاعا أو مجرد خبر: انتحار، سرقة، حادثة سير، أو ربما تدوين سيرة ذاتية للحصول على وظيفة، أو حتى رسالة عبر بريد إلكتروني، أو رسالة خبرية عبر موقع تواصلي اجتماعي إلى أحد الزملاء. ولكي يتفادى الكاتب الصحفي تلك الأخطاء ، ثمة اقتراحان لهما ثالث، الأول: ضرورة استشارة أخصائي لغوي أو انتداب أستاذ للعمل ضمن طاقمه الصحفي مقابل أجر رمزي ، من أجل القيام أثناء التحرير النهائي للمادة المراد نشرها بالتدقيق اللغوي اللازم ،والكشف عن الأخطاء المحتملة نحويا وصرفيا وإملائيا ... أما الاقتراح الثاني: فيبدو أن التكنولوجيا رائدة وسخية في هذا الباب ، إذ بات التدقيق اللغوي ممكنا متاحا ومجانيا ، سواء ضمن تطبيقات ضمنية أو تحت الطلب. فهذا الإجراء مطلوب في آخر مرحلة من مراحل عملية تحرير النص، وقبل نشره وجعله مادة للاستهلاك الإعلامي. نعيش حقبة تاريخية حساسة جدا يسهم الإعلام في صناعة لغة الخطاب والتواصل بالمجتمع كيف يجب استغلاله؟ هذا السؤال يجبرنا على العودة إلى سؤالكم المحوري حول أهمية التدقيق اللغوي في صحافتنا وكيف يسهم جادا في صناعة لغة الخطاب الرصين الهادف ذي الحمولة المدنية والحداثية ،سيما والعالم العربي يعيش حقبة تاريخية تتسم بحساسية مفرطة ، ونقول أن الهدف الاستراتيجي اليوم هو العمل من أجل انتاج لغة خطاب تواصلي سليم هادف وبناء، يخدم قضايا المجتمع ، ويساهم في التنمية الحقيقية لموارده المادية البشرية، فلإعلام الهادف بهذا المعنى هو أحد الأعمدة والضمانات الرئيسة في صحة وسلامة المحتوى الإعلامي التواصلي بالمجتمع، وصمام أمان إضافي يختبر مدى كفاءة وصحة المادة الإعلامية. لقد بات من الضروري للجسم الإعلامي اليوم الإسراع في معالجة هذا الأمر حفاظا على الْهُوية العربية، وصيانة للغة العربية ذاتها، لأن الصحافة رسالة حضارية موجهة وجليلة، تخاطب أكبر شريحة من المتلقين بروح من الجلالة والخلق الرصين، وهو ما يكسب المحتوى الصحفي مزيداً من الاحترافية والكمال. كما أن إنجاز عمل مكتمل يخلو من الأخطاء، مهمة لم تعد صعبة اليوم في ظل القفزة التكنولوجية التي يعرفها قطاع النشر والإعلام، حتى تؤدي الصّحافة المكتوبة، في المغرب دورًا مهمًّا في نشر الوعي الاجتماعيّ والعلميّ والسياسيّ والهوياتي بين أفراد المجتمع بعيدا عن الإسفاف الحاصل اليوم، وبدل المساهمة في تقويض دعائم اللّغة العربيّة التي يبدو أنها انزاحت عند الكثيرين إلى النّزعة الوظائفيّة الإخباريّة، أكثر ممّا اعتنت بالوجهة الجماليّة الكامنة في اللّغة. حدثنا عن باكورة عملكم الأدبي "قصص ليست كمثيلتها" للكاتب الإعلامي المغربي عزيز باكوش؟ العمل صدر عن إحدى دور النشر بفاس المغرب وهو كتاب قصصي، يعتبر باكورة إنتاج بعنوان «قصص ليست كمثيلاتها»ويقع الإصدار في 60 صفحة من القطع المتوسط، ويضم 26 عملا سرديا ، إضافة الى عدد من الإشراقات الأدبية المضمخة بعبير المعيش اليومي. مجمل هذه الرؤى الاجتماعية تلتقط اللحظات الشاردة بمنتهى العفوية ، لكنها تتبلور في سياقات وأنساق تحمل المتلقي على الدهشة والتأمل والتساؤل. لوحة الغلاف الوالد محمد علال باكوش، في إحدى قصص المجموعة بعنوان «قدرك ياعزوز "نقرأ" تردد صوت مبحوح خلف باب القسم، وأطل عبر نافذة القسم شبح "خديجة" العش زوجة العزاب عبد الله، وهي امرأة من عيار رجل ، مشمرة الأكمام,،محزومة البطن، صاحت قائلة: أين هو ذلك الكلب الأجرب؟ دخلت القسم من بابه الواسع، ومسحت فضاء القسم بعينها الواسعتين، مجرجرة فستانها المتهدل بين الصفوف. ثم صرخت ملء صدرها: مخاطبة ابنها عمر: قم، واذهب الى الولجة، وأحضر الكلأ للعجل، وواصلت بنبرة قاسية: بسرعة، وإلا نزلت على قفاك، إن شاء الله تأخذك مصيبة. غامت الدنيا أمامي ،وصرت كثور هائج لا أقوى على السير دون أن أرتطم بشيء، يا إلهي ماذا يحدث هنا والآن؟ مسحت الفضاء بعينين باكيتين، وخاطبت نفسي بصوت مسموع لا بأس.. يحدث هذا وأكثر.. إنها البداية. ألى ترون أن وسائل التواصل الاجتماعي تقتل القراءة والمطالعة كما تقتل الابداع؟ أعتقد خلافا لذلك ، أن مواقع التواصل الاجتماعي فسحت المجال واسعا أمام القراءة والمطالعة وقدمت خدمات إيجابية وجعلت الاتصال ممكنا وسهلت آلياته وذوبت مختلف العوائق والاشكالات، وساعدت على نحو كبير في خلق جو من التلاقح الثقافي بين الشعوب والحضارات الانسانية، مما افرز كتابة ابداعية بلغات عالمية تتفاوت من حيث المرجعيات وتتآلف من حيث المقاربات والتمثلات الثقافية والفنية، لقد اضحى التواصل بين المبدعين والكتاب العرب أفضل مما كان عليه في السابق، فما يكاد المنشور الابداعي يرى النور في الخليج حتى تتلقفه العقول بالجزائر وتونس والمغرب، فهذه خدمة ايجابية لمتكن لتتوفر في السابق، وعلى الرغم من ان الكتاب راسخ ولن تتغير النظرة اليه، لأسباب متعددة إلا ان النشر الالكتروني بات منافسا حقيقيا، لكن الضربة القاضية لن يتأتى لها النجاح ليظل النشر الورقي سيدا رغم كل التهيجات والتجييش للقضاء عليه.