توجت سلسلة الإصلاحات التي بادر بها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة بتعديل الدستور الذي يؤسس لمرحلة جديدة تهدف بالأساس إلى بناء مجتمع مؤسس على القيم الجمهورية و مبادئ الديمقراطية، وستكون مرحلة ما بعد تعديل الدستور مفعمة بالنشاطات السياسية، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وذلك من خلال تكييف قوانين الجمهورية مع أحكام الدستور الجديد وتجسيد مضامينه في الآجال المحددة حيث استحدث الرئيس لهذا الغرض خلية متابعة ترتكز مهمتها على متابعة التجسيد الشامل والدقيق لهذه الأحكام بما يضفي الجدية والاستمرارية على مواصلة المسيرة بعدما تحققت الركائز الأساسية وتوفرت الظروف المواتية لاقتحام المرحلة الجديدة بآليات وميكانيزمات جديدة تحضن الجزائر من التقلبات السياسية والأخطار التي تهدد الجزائر. عامر رخيلة بوتفليقة ينوي دسترة الحياة السياسية قال عضو المجلس الدستوري سابقا والمحامي الدكتور عامر رخيلة في اتصال، أمس، مع "صوت الأحرار" إن رسالة الرئيس بوتفليقة لنواب وأعضاء البرلمان بعد المصادقة على مشروع تعديل الدستور تحمل دلالات كثيرة، معتبرا أنها تضمنت"عملية مسح لما تم القيام به منذ سنة 1999 إلى غاية المصادقة على الدستور الجديد"، مؤكدا في السياق ذاته أن فرار رئيس الجمهورية بإنشاء خلية متابعة لتجسيد الأحكام الدستورية يعبر عن ارداة حقيقية في دسترة الحياة السياسية. فضّل المحلل السياسي والخبير في القانون الدستوري عامر رخيلة أن يمنح رسالة رئيس الجمهورية التي قرأها نيابة عنه رئيس مجلس الأمة بمناسبة المصادقة على الدستور الجديد صفة "الحطاب"، وذلك في قراءته لما تضمنته هذه الرسالة من دلالات سياسية وقانونية، معتبرا أنها جاءت لتسرد مسار الإصلاحات السياسية التي انتهجها الرئيس بوتفليقة منذ اعتلائه سدة الحكم من خلال ما تضمنته هذه الرسالة من مسح لما تم القيام به خلال 17 سنة. وحول ذلك أوضح الدكتور رخيلة أن عملية المسح خصت جوانب عديدة مما تم تحقيقه، وتطرقت إلى أهم المحطات التي عاشتها البلاد منذ اعتلاء الرئيس بوتفليقة سدة الحكم، خاصة فيما يتعلق بعودة الأمن والاستقرار إلى البلاد بعد إقرار المصالحة الوطنية، فضلا على ما تم تحقيقه في المجال الاقتصادي التي ظهرت بعض نتائجه، ناهيك عما تحقق في سياق التوازنات العامة للدولة وبأبعادها الثلاث، وذلك عبر خطوات ومراحل تمت بين سنتي 2002 و2016. وبعد أن ذكر بالمكاسب التي تحققت لصالح الرموز الوطنية بعد تمت ترقيتها ودسترتها في صورة النشيد والعلم والوطنيين، أوضح عامر رخيلة أن رزمة الإصلاحات التي سبقت الإعلان عن وثيقة الدستور، تأتي ضمن مسار تغير عميق في ظل بيئة جديدة ومحيط إقليمي يتسم بعدم الاستقرار حيث تمكنت الجزائر من الحفاظ على توازنها بفضل المناعة التي اكتسبها الشعب بعد تجربة مريرة مع الإرهاب وساعد على ذلك استقرار مؤسسات الدولة واللحمة بين أبناء الشعب. ومن الناحية القانونية أوضح عضو المجلس الدستوري سابقا أن المشكل في الجزائر ليس مشكل نصوص بال المشكل هو في تطبيق هذه النصوص، ومن هذا المنطلق يرى الدكتور رخيلة أن الرئيس يسعى لوضع حد لهذه الإشكالية من خلال إعلانه استحداث خلية متابعة تكون مهمتها السهر على التجسيد الشامل والدقيق للأحكام التي يتضمنها الدستور الجديد في الآجال المحددة، وهو ما يؤكد حسبه وجود إرادة حقيقية في دسترة الحياة السياسية وتجسيد النصوص والأحكام الدستورية ميدانيا. وحول إمكانية وجود تداخل في عمل هذه الخلية التي سيتم استحداثها مع الدور المنوط بالمجلس الدستوري، أكد الدكتور عامر رخيلة انه لن يكون هناك تعارض في دور كل منهما لأن مهمة خلية المتابعة يتمثل في إعداد تقارير دورية في مسألة تطبيق الأحكام الدستورية وتقديمها إلى رئيس الجمهورية، حيث أن غايتها وهدفها يتمثل في الحث على تجسيد الأحكام الدستورية ميدانيا، معتبرا أن الدستور لا يستند على مجرد مبادئ وأحكام بل في مدى تجسيدها في الحياة العامة. ومن منطلق أن الدستور الجديد -الذي سيصدر في الجريدة الرسمية لاحقا- يحمل الكثير من الأحكام الجديدة، يرى الخبير في القانون الدستور أن ذلك سيتوجب احداث قوانين عضوية جديدة لتنفيذ الأحكام الموجودة في الدستور الجديد، معتبرا أن 90 بالمائة من القوانين الموجودة حاليا ستتعرض إلى المراجعة للتكيف مع الترسانة التشريعية والنصوص الجديدة التي تستوجب إعادة النظر فيها وتعديلها من قبل البرلمان، خاصة بعد أن تم استحداث هيئات جديدة، داعيا في الوقت نفسه المجلس الدستوري والغرفتين التشريعيتين لمراجعة قوانينها الداخلية بما يتناغم والأحكام الدستورية الجديدة. عليوي محمد تعديل الدستور تكريس للديمقراطية ودولة القانون أوضح الإتحاد الوطني للفلاحين الجزائريين أن المصادقة على التعديل الدستوري هي مصادقة على دولة القانون وتكريس للديمقراطية الحقة، معتبرا هذا الإنجاز نجاحا لكل الجزائريين، ولبنة أخرى تضاف إلى المسار الذي بدأه رئيس الجمهورية. ثمن الاتحاد الوطني للفلاحين الجزائريين في بيان له مصادقة البرلمان بغرفتيه أول أمس على تعديل الدستور وهو ما اعتبره "مصادقة على دولة القانون واحترام رأي الأغلبية وتكريس الدولة المدنية وتكريس الديمقراطية الحقة، التي يتساوى فيها كل الجزائريين والتي تعلو فيها لغة الحوار والتشاور". وجاء في البيان بأن الاتحاد "يبارك المصادقة على الدستور الذي يرقى بالمساواة الاجتماعية والفردية أمام القانون« وهي كلها عوامل تعد "مصدر كل تطور وتقدم ونماء، فالمساواة أمام القانون كانت ولازالت الآلية الفعالة في تقدم الأمم، بل الحافز للعطاء ومنبع الوطنية الحقة". واعتبرت المنظمة هذا الإنجاز "نجاحا لكل الجزائريين، ولبنة أخرى تضاف إلى المسار السديد الذي بدأه رئيس الجمهورية، وشاركه كل الشعب الجزائري دون تمييز أو إقصاء«، كما ذكر البيان في ذات الإطار بأن الإتحاد تابع بتجاوب مختلف مراحل مراجعة الدستور إلى غاية المصادقة عليه وذلك من خلال مشاركته في المناقشة والإثراء وهي الجهود التي تصب "في خدمة القضايا الوطنية بكل منابعها ومشاربها وترقى إلى الاستجابة إلى كل الأطياف الوطنية وفق نهج ديمقراطي نابع من المجتمع". وشدد في هذا الصدد على الأهمية التي يكتسيها التعديل الدستوري في الحياة الوطنية بشتى جوانبها و"الرقي القانوني الذي حمله ليشمل كل القضايا الوطنية من مختلف الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية"، علاوة على كونه قد "فتح المجال أمام إصلاحات جديدة في رزنامة البرنامج السياسي لرئيس الجمهورية". وتوقف بالمناسبة عند "التمييز الذي حظي به القطاع الفلاحي" ضمن الوثيقة المعدلة فضلا عن »أساسيات العلاقات الدولية التي انفرد بها، والرؤية المستقبلية للبلاد". وعلى صعيد ذي صلة، ثمن الاتحاد "الأعمال الجليلة لرئيس الجمهورية" داعيا إلى "المزيد من الإصلاحات في شتى المجالات، خاصة في المجال الفلاحي وفق ما أقره الدستور ليكون هذا القطاع خالقا للثروة وحاميا للقرار السياسي ومنبعا لكل نماء ورخاء وتطور". وذكر في هذا السياق بأن الإنجازات التي حققتها الجزائر خلال فترة وجيزة »لم تكن لترقى إلى هذا المستوى لولا سياسة الوئام المدني والمصالحة الوطنية التي بها استتب الأمن واستقر الأمر وبدأ النجاح تلو الآخر" وهو ما يعد عملا باهرا يفرض علينا مساندة رئيس الجمهورية لإرساء دواليب ثابتة لدولة قارة قوية".