إن رد الفعل الإيراني السريع على قطع السعودية مساعداتها للجيش اللبناني بإعلان طهران استعدادها للنظر في مسألة تقديم المساعدة الضرورية للجيش اللبناني إذا طلبت الحكومة اللبنانية ذلك رسميا يعني أن إيران تشن فعلا حربا قذرة خفية ليس ضد السعودية فقد بل ضد دول أخرى أيضا. بعد التوتر الخطير في العلاقات بين طهرانوالرياض على خلفية حقيقية تتعلق بمحاولات إيران محاصرة السعودية مذهبيا في اليمن والبحرين وسوريا والكويت، وحتى من الداخل في المنطقة الشرقية للمملكة، وعلى خلفية وهمية تتعلق بإعدام السعودية للناشط السعودي الشيعيباقر النمر، بعد ذلك التوتر بدأت رسائل التهدئة والتفاؤل تأتي من طهران ومن الرياض أيضا، بهدف الحيلولة دون الوصول إلى حرب شاملة إسلامية إسلامية ظاهريا وعربية فارسية جوهريا. غير أن التسرع الإيراني في سعيها لتعويض المساعدات العسكرية السعودية للجيش اللبناني المقدرة بنحو 4 مليار دولار، يعني بشكل صريح أن إيران ليس لديها النية في التهدئة مع السعودية. فقد أعلن ممثل وزارة الخارجية الإيرانية حسين جابر أنصاري يوم الثلاثاء 23 فبراير الجاري صراحة أن بلاده جاهزة للنظر في مسألة تقديم المساعدة الضرورية للبنان، إذا حصلت إيران منه على طلب رسمي. والواضح أن طهران تسعى لبسط نفوذها كاملا على لبنان على طريقة بسط نفوذها كاملا على العراق، فبعد الولاء التام سياسيا وعسكريا ومذهبيا لحزب الله وهو أكبر قوة سياسية وعسكرية في لبنانلإيران، لم يبق لطهران سوى تقديم مساعدات عسكرية للجيش اللببناني حتى تكتمل الحلقة، أي بسط الهيمنة. الدولة اللبنانية أسيرة حزب الله كانت السعودية قد أعلنت يوم 19 فبراير عن توقيف مساعداتها لتسليح الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي اللبناني نظرا لمواقف بيروت التي لا تنسجم مع العلاقات الأخوية بين البلدين. وذلك بعد امتناع لبنان عن التصويت على قرار وزراء الخارجية العرب الذي طالب إيران بوقف دعم الميليشيات والأحزاب المسلحة داخل الدول العربية، واعتبار ذلك تهديدا للأمن القومي العربي. وواضح أن المقصود هو حزب الله اللبناني، وجماعة الحوثي في اليمن، وجماعات أخرى في منطقة الخليج. هل أخطأت السعودية أو أصابت بقرارها؟ هذا ليس محل نقاش حاليا، لكن لا نعتقد أن هناك دولة واحدة في العالم تستمر في تقديم الدعم المادي المعتبر لدولة أخرى وهذه الدولة لا تقوى حتى على تأييد قرار عادي يناصر هذه الدولة مثلما حدث مع لبنان في اجتماع وزراء الخارجية العرب عقب الاعتداء على سفارة الرياض في طهران بعد إعدام السعودية لباقر النمر، بدون أن ننسى مواقف حزب الله العدائية جدا ضد السعودية عبر منابره الإعلامية والسياسية، ووقوف حكومة لبنان عاجزة عن كبح جماح الحزب نظرا لقوته العسكرية المدعومة إيرانيا. وبذلك فقد "صادر حزب الله إرادة الدولة اللبنانية"، حتى أنه تصرف في الملف السوري بدون إيلاء أي اعتبار لحكومة بلاده، بتدخله عسكريا خارج الحدود بحجة أنه تلقى الدعم العسكري في حربه مع إسرائيل عام 2006 من قبل نظام بشار الأسد، وهنا تصبح المشكلة مشكلتين: 1 - تلقى دعما خارجيا من دولة معينة بدون مرور الدعم عبر قنواته الرسمية أي الحكومة اللبنانية. 2 - تصرفه كأنه دولة موالية لسوريا وإيران وليس كأنه حزب لبناني يخضع لقوانين وسياسة الدولة اللبنانية، بمشاركته عسكريا في الحرب داخل التراب السوري. لبنان: نموذج لخطورة الولاء للخارج إن الوضعية التي جعل فيها حزب الله لبنان هي وضعية خطيرة، فالدولة اللبنانية خرجت عمليا من المجموعة العربية لأنها دائما تقف محايدة في اتخاذ القرارات العربية بحجة النأي بالنفس عن المشاكل في المنطقة. وبالتالي فإنه بعد وقف السعودية للدعم العسكري المقدر بنحو 4 مليار دولار، مصحوبة بتعليمات للسعوديين ومواطني دول الخليج بعدم التوجه نحو لبنان للسياحة، يعني أن لبنان في وضع لا يحسد عليه، وعليه أن يفصل هل هو دولة تنتمي للمنظومة العربية أو ينتمي لمنظومة أخرى. إن الحالة اللبنانية اليوم تقدم لنا مؤشر عن المشاكل التي قد توجه أي دولة في حالة التعددية الطائفية أو في حالات التدخل في الشؤون الآخرين. فحسب مؤشرات وردت في جريدة الجمهورية اللبنانية بتاريخ 23 فبراير الجاري، فإن هناك خطورة كبيرة على الاقتصاد اللبناني نظرا لأهمية حجم التبادل التجاري بين لبنان والسعودية المقدر بنحو 783 مليون دولار? وحجم الاستثمارات السعودية في لبنان التي تبلغ 427 مليون دولار؟ والصادرات اللبنانية إلى بلدان الخليج المقدرة بنحو 30 بالمئة من مجمل الصادرات اللبنانية، وصادرات لبنان إلى السعودية عام 2015 المقدرة نحو 356 مليون دولار? وصادرات لبنان إلى دول الخليج الأخرى بمبلغ 312 مليون دولار عام 2015، فضلا عن قيمة البضائع المستوردة عام 2014 من السعودية إلى لبنان المقدرة ب 415.4 مليون دولار. وتبلغ نسبة التحويلات الخارجية من السعودية 50 في المئة من مجموع التحويلات إلى لبنان والبالغة 8 مليارات دولار؟ أي 4 مليار دولار، يحولها اللبنانيون العاملون في المملكة ويبلغ عددهم نحو 350 ألفاً، وهناك 2?5 مليار دولار من باقي دول الخليج? و1?5 مليار دولار من كل دول العالم. أما السياحة فيعتبر السوق السعودي أو الخليجي أهم سوق سياحي في لبنان؟ حيث يقدر معدل إنفاق السائح الخليجي نحو 15 ألف دولار، بينما معدل إنفاق بقية السياح لا تتعدى ال3 آلاف دولار كأقصى حد. والأكثر من ذلك أن السائح الخليجي يأتي إلى لبنان عدة مرات، بينما السياح الآخرين يأتون مرة في السنة وربما ربما مرة في العمر. أما إيران وبعد أن رفعت عنها العقوبات فهي تسعى للاستثمار في لبنان بهدف زيادة الاختراق، ورفع حجم المبادلات التجارية أكثر فأكثر، فهي لا تتعدى حالي؟ حسب جريدة النهار اللبنانية بتاريخ 24 جانفي 2016، مبلغ 70 مليون دولار سنويا. وبالتالي ليست ذات قيمة مقارنة بحجم التأثر الخليجي على الاقتصاد اللبناني، ويأتي عرض طهران لحكومة لبنان تعويض الدعم السعودي العسكري للجيش اللبناني في سياق الاختراق. هل ترضى إيران بالتدخل في شؤونها الداخلية؟ إن الوضع الذي جعل فيه حزب الله لبنان، هو الذي يجعل المحللين يرفضون حالات التدخل في الشؤون الداخلية للدول، خاصة حالات التدخل المذهبي مثلما يحدث مع إيران، في العراق والبحرين واليمن والكويت والسعودية. فإيران إذا كانت تريد الدعوة للإسلام عليها أن تنشر الدين الإسلامي في أوساط غير المسلمين في مختلف دول العالم، وليس نشر المذهب الشيعي في أوساط المسلمين السنة، لأن ذلك يعتبر تدخلا في الشؤون الداخلية للدول ومع مرور الوقت، إذا نجحت سياستها، ستتحول كل دولة عربية إلى لبنان جديدة، لذلك هناك حالات من الوعي الشعبي لهذه القضية، فتونس مثلا شهدت مؤخرا مظاهرة ضد السياح الإيرانيين. وإذا ناقشنا الموضوع من زاوية أخرى، فإن ذلك يتضح من خلال التساؤل التالي: هل ترضى طهران بتدخل الفاتيكان في شؤون أرمن إيران أو شؤون مسيحييها؟ وهل تبقى مكتوفة الأيدي لو تدخلت السعودية ومولت سنة إيران بالمال والسلاح في منطقة الأهواز مثلا وغيرها من المناطق، هل تقبل إيران بتدخل إسرائيل لدعم يهود أصفهان مثلا؟ أو تدخل دول أخرى لحماية بعض الأقليات الواقعة على أطراف إيران.؟ إن هذه التساؤلات تؤكد لنا أن العلاقات الراهنة بين المجموعة العربية وإيران هي علاقات غير سوية، ولا مبرر لها بحجة سوء السياسات الخارجية لهذه الدولة أو تلك. ومن أجل مستقبلنا ومستقبل الأجيال القادمة يجب أن تقوم العلاقات بين الدول طبقا لمواثيق الأممالمتحدة، علاقات تحكمها المصالح، بدون التدخل في شؤون الآخرين. إن تدخل طهران كبديل لتعويض الفراغ الذي قد تتركه السعودية ودول الخليج في تقديم الدعم للجيش اللببناني دليل واضح على أن هناك حرب قذرة يجب أن تتوقف، ليس ضد السعودية فقط بل ضد دول أخرى عديدة. كفا الشعوب العربية والإسلامية ما يحدث في ليبيا واليمن وسوريا وفلسطين، وغيرهم.