معظم المتتبعين للتطورات الراهنة في الشأن العربي، يؤكدون أن إيران تعتبر لاعبا محوريا فيما يجري من أحداث في العراق وسوريا مرورا بالبحرين ووصولا إلى اليمن بسبب سياستها الخارجية القائمة على" الكل مشاكل مع دول الجوار"، وفي هذا الوقت تتطلع الأعين إلى دور تركي لتجنب المنطقة حرب طاحنة بين السعودية وإيران مثل حرب 1980 بين إيرانوالعراق، لأن تركيا منذ وصول الحرية والعدالة إلى الحكم انتهجت سياسة صفر مشاكل مع دول الجوار . إيران والجيران: الكل مشاكل تتحكم في الدور الإيراني في المنطقة العربية ثلاث محددات رئيسية في السياسة الخارجية لإيران هي: 1 - تفضيل إيران الوضع القائم في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أكثر من سعيها لدعم جيرانها في الجغرافية وإخوانها في الدين لبناء دول مستقرة وآمنة. 2 – تعمل إيران منذ الثورة الإيرانية عام 1979 بشكل واضح أحيانا وكامن في معظم الأحيان على تصدير الثورة الإيرانية لدول الجوار أولا وللعالم الإسلامي كله ثانيا. 3 – تعمل إيران بشكل واضح على تعزيز مواقع الأنظمة والجماعات الشيعية المجاورة مثل العراقولبنانوالبحرين واليمن. وهذه المبادئ هي رأس الصداع الرئيسي بين إيران وجيرانها، ومركز الخلاف الجوهري بين طهران ومعظم العواصم العربية. فبفعل المبدأ الأول أيدت إيران نظام بشار الأسد ضد موجة الربيع العربي، في الوقت الذي تسعى دول الجوار إلى العمل على الإطاحة به، وتواصل احتلال جزر الإمارات العربية الثلاثة رافضة كل اشكال الحلول التي تم تقديمها لحل النزاع بما فيها التحكيم الدولي، أما المبدأ الثاني يتضح من خلال ما يعرف باسم "المد الشيعي المدعم من إيران"، في حين يتضح المبدأ الثالث في دعم إيران للنظام الشيعي الناشئ في العراق عقب القضاء على نظام صدام حسين، ودعم طهران لحزب الله الشيعي في لبنان، ودعمها لجماعات شيعية في البحرين والحوثيين في اليمن. وعلى هذا الأساس فإن سياسة إيران الخارجية في المحيط العربي تعرف بأنها سياسة الكل مشاكل. لذلك يجمع المحللون للوضع العربي على أن هناك صراع عربي فارسي في الخليج العربي والدول العربية المجاورة، والظاهر أن هذا الصراع يكاد يكون قد حسم لصالح طهران بفعل: 1 - زيادة النفوذ الإيراني في نظام الحكم الجديد في العراق المتحكم فيه من قبل الطائفة الشيعية. 2 - تمكين طهران نظام بشار الأسد من الصمود في وجه المعارضة المسلحة حتى بدأ الحديث الآن عن حل سياسي للأزمة يكون فيه نظام الأسد جزء من الحل. 3 - زعزعة النظام الملكي في البحرين خلال أحداث الربيع العربي ما جعل دول الخليج تستشعر الخطر ثم تبادر بالتدخل العسكري بقوات "درع الجزيرة". 4 - ولعل البارز المهم هو تمكن الحوثيين المدعومين من طهران في حربهم الثامنة في اليمن من السيطرة على العاصمة صنعاء ما جعل دول الخليج تستشعر الخطر أكثر وتتدخل عسكريا في شكل عاصفة الحزم على وزن درع الجزيرة في البحرين. هل تنجح السعودية في تحقيق نصر استراتيجي؟ في الوقت الذي كان الأمر يبدو على أن السعودية قائدة عاصفة الحزم قد حققت نصرا تاكتيكيا، بإرسال مصر بوارجها للخليج العربي بحجة "أمن الخليج من أمن مصر" كثمرة من ثمار الدعم المادي والسياسي لدول الخليج لنظام السيسي الذي أطاح بنظام مرسي الإخواني، وبعد أن أعلنت تركيا دعمها للعملية فضلا عن باكستان بوصفها دولة سنية ونووية وقوة عسكرية، فإن التحولات المتسارعة تستبعد تحقيق عاصفة الحزم انتصارات استراتيجية لأن: 1 - النظام المصري تراجع عن فكرة المشاركة في حرب برية في اليمن بعد أن استذكر النتائج الكارثية لدخوله اليمن في الستينيات. 2 - هناك تذبذب في المواقف في النظام الباكستاني بين ربط "العدوان على السعودية بالعدوان على باكستان" ثم التراجع عن المشاركة في حرب برية في اليمن. 3 - طهران تمكنت من الوصول إلى اتفاق مع الدول الكبرى بخصوص ملفها النووي في الوقت الذي كانت فيه قوات الحوثيين تحكم قبضتها على اليمن. 4 - الرئيس التركي طيب رجب أردوغان قام بزيارة لطهران في عز الأزمة، أكد خلالها أنه يرغب في بلوغ سقف 30 مليار دولار في الميزان التجاري مع إيران. تركيا وسياسة تصفير المشاكل وفي ظل هذا الغموض المخيم على الوضع في اليمن، وفي التصعيد الموجود بين إيران ودول الخليج، الذي ينذر بحرب خليجية إيرانية في اليمن، فإنه يبدو أن تركيا مؤهلة أكثر للعب دور تجنيب المنطقة حربا قذرة، مثملا فعلت الدولة العثمانية خلال العهد الصفوي. فمنذ وصول حزب الحرية والعدالة إلى الحكم بطرق ديمقراطية في تركيا ، بدأت أنقرة تطبق سياسة تصفير المشاكل مع دول الجوار وهي حاليا ترتبط تقريبا بعلاقات حسنة مع كل دول الجوار بما فيها إسرائيل وإيران والسعودية، وهي الدول الثلاث المتحكمة في مفاتح الأزمة في المنطقة. وبعد عقود من الخلافات بين الحكومة التركية مع طهران، منذ الثورة الإيرانية لعام 1979، تمكنت تركيا منذ وصول الحرية والعدالة إلى الحكم عام 2002 من بناء علاقات متزنة مع إيران في إطار سياسة "صفر مشاكل"، وانتهجت أنقرة سياسة مساعدة طهران على الاندماج في المجتمع الدولي بسبب تعقيدات ملفها النووي، ودافعت عن طهران للحصول على الطاقة النووية لأغراض سلمية، واستضافت لهذا الغرض العديد من المؤتمرات واللقاءات، واقترحت عليها حتى تخصيب اليورانيوم في تركيا. لكن تركيا لا يبدو أنها تقبل بوجود نفوذ إيران على أنظمة الحكم في بغداد ودمشق، وهو عامل مشجع للثقة العربية عامة والخلييجية خاصة في أنقرة. كما أن عودة الدفء للعلاقات التركية الإسرائيلية بعد اعتذار ناتنياهو عن الاعتداء على باخرة مرمارة التركية التي اتجهت لتفك الحصار عن غزة، يجعل من الدور التركي في المنطقة مقبولا من الدول الغربية. ولهذه الأسباب لم تتشدد طهران في موقفها من تركيا التي أعلنت بوضوح دعمها لعاصفة الحزم ونددت بوضوح بسياسة المد الشيعي الإيرانية واستقبلت أردوغان في طهران، رغم إصدارها بيان يندد بالموقف التركي. ومن المؤكد أن إيران لا ترغب في حرب مع جيرانها، لأن الحرب قد تأتي على مكاسبها كدولة نووية وعسكرية قوية في المنطقة بل تفضل التوغل والتمدد الهادئ في المنطقة سياسيا واقتصاديا ومذهبيا. ودول الخليج بدورها لا ترغب في حرب مع إيران، لأن ذلك يكون على حساب المكاسب التنموية للدولة، والرفاه الاجتماعي للشعوب، لكنها ترغب ولو على مضض في موقف دولي يبقى دول الخليج العربي وجوارها دولا سنية ويلزم طهران بالتزام حدود أخلاقية في سياستها الخارجية.