قرأت في الصحافة خبرا طريفا، ملخصه أن سيدة مغربية ولدت أرنبًا، ولأني قرأت الخبر من عنوانه، ظننت أن ناقل الخبر ربما قص علينا حكاية معاشرة بين خُزَزُ أي ذكر الأرنب وهذه السيدة، وهو ما أصبح شائعا بين بعض النساء الغربيات من معاشرة الحيوان، وطبعا فالحمل والولادة مستحيلة علمية، وسلوك معاشرة الحيوان شنيع، تستقذره الفطرة السليمة والذوق الراقي، ولأجل ذلك أمر نبي الإسلام بقتل الحيوان والإنسي الشاذ. لكن الخبر المذكور كان يتحدث عن قضية أخرى، مفادها أن تلك السيدة قصدت مصحة الولادة على أساس أنها تشكو من المخاض، ثم دخلت دورة المياه وأخرجت في يدها جنينا يشبه خلقة الأرنب، ونهاية القصة أن هذه السيدة أصبحت متابعة قضائيا بسبب التدليس... والأطباء يعرفون هذه الحالة، وتعرف بالحمل الكاذب، وهي حالة تعتقد فيها المرأة غير الحامل بأنها حامل، ومن مسببات الحمل الكاذب وتفسيراته، أنها حالة تقوم على عوامل نفسية وعاطفية شديدة للغاية، ففي الغالب تكون المرأة التي تعاني من الحمل الكاذب، لديها رغبة قوية للغاية لأن تصبح حاملا، وتخوض تجربة الحمل، وتزداد الرغبة والميل للشعور بأعراض الحمل، أثناء فترة الحمل بين بعض أقاربها وأصدقائها. تسمى هذه حالة الحمل الكاذب أيضا، بحالة الحمل العصبي، ولم يستوقفني الجانب الطبي من القصة، فهو جانب معروف عندي ووقفت على حالتين منه خلال ممارستي لمهنة الطب، لكن الخيال سبح بي بعيدا وأنا أتذكر حالات أخرى من الحمل الكاذب أو العصبي، فإذا كان الحمل والخلفة زينة من متاع الدنيا، فما أكثر ما يتزين به الناس من أمور ظاهرة، لكنها كاذبة... تلك المشاريع الكبرى التي يطلقها أصحابها، ويهمون الناس أنها تسفر عن ميلاد مؤسسات ومقاولات، أعتقد أنها تشبه حالة الحمل الكاذب، لأن الرحم الذي أريد له أن يحملها ويرعاها عقيم غير ولود... أصحاب الدعاوى العريضة من الفارغين والفارغات، ألا تعبر عن حمل عصبي كاذب، يريد أصحابها أن يتقمصوا أدوارا، غير مؤهلاتهم النفسية والفكرية بعيدة عن أن تسير بهم في طريق ما يدعون... كل واد منا يستطيع أن يستحضر عشرات النماذج من أولئك ومن هؤلاء، وهم يزعمون أنهم بصدد تحقيق ميلاد معجزة، فإذا بهم يخرجون في كل مرة من دورات المياه، وبين أيديهم مسخا أشبه بذلك الأرنب الذي جاءت السيدة المغربية تحمله، ولو كانت الأمور المعنوية ترى بذات التفاصيل التي نرى بها الأمور المادية، لامتلأت الساحات بالأمساخ، غير أنها للأسف تدرك ولا ترى. هي في كل مكان، بين أولئك المتعالمين من أصحاب الشهادات العالية، وهي في الواقع مسخ فأر أو أرنب أو قل ما شئت، شعر أصحابها يوما بالمخاض وتواروا عن الوجوه لبعض الوقت، ثم جاؤوا وهم يحملون أمساخهم بين أيديهم... هي بين بعض السياسيين، وهم يتحدثون وينظرون، ويهذون بما لا يعرفون، ويعدون الناس ويتوعدونهم، لكن الحقيقة أنها أحمال عصبية وكاذبة، وأمساخ لا تشبه المواليد الأسوياء في شيء... هي بين الإعلاميين، وهم يزعمون الانتصار للمثل والقيم الكبرى، ويرطنون بأسماء ومصطلحات لو عرفوا معناها وحقيقتها لاستحوا من أنفسهم، ولعرفوا أنهم لا يحملون بين أيديهم سوى أمساخ، مقززة ومخيفة ومقرفة، تشبه صورة ذلك الأرنب الميت الذي حملته السيدة في المغرب... أن نتقزز من حالة مسخ واحد، ونعجب من حالة حمل كاذب أو حمل عصبي حقيقي، ولا نعجب من هذا الركام الذي يزحم الأفق ويسد الأنوف من الأمساخ، فهذا في حد ذاته حمل عصبي أو حمل كاذب.