مرة أخرى، نشعر بفقرنا الفظيع في مجال الاتصال السمعي بصري، فقد خاض من يسمون أنفسهم بالإعلاميين المصريين، وعلى مدى أكثر من شهر على الأقل، حربا دعائية حقيقية ضد الجزائر. تقيئوا ذلك الحقد الدفين الكامن في نفوسهم نحو الجزائر بسبب رجولة شعبها ومواقفه الثابتة من القضية الفلسطينية. نشروا الكثير والكثير جدا من الأكاذيب والادعاءات وبلغ بهم الأمر حد تضليل الرأي العام المصري والعربي حول حادثة رشق الحافلة التي أقلت اللاعبين الجزائريين من المطار بالقول أن الرياضيين الجزائريين هم الذين رشقوا أنفسهم وحطموا زجاج الحافلة وجرحوا بعضهم البعض. إنه الكذب بعينه؛ لكن ذلك ليس بالجديد على »الإعلاميين« المصريين الذين نشأوا وتكونوا على هذا النوع من التشويه والتضليل وتزييف الحقائق. جيلي يتذكر جيدا كيف باعنا الإعلام المصري، ونحن أطفال، وهم الانتصار ولعدة أيام متتالية، على إسرائيل، في حرب 1967، حيث بلغ عدد الطائرات الإسرائيلية التي أسقطها هذا الإعلام الأربع مائة طائرة قبل أن نستيقظ على أخبار النكسة الحقيقية التي لازلنا، كعرب، نحمل آثارها إلى اليوم. المهم، مقابلة مصر- الجزائر، التي كانت مجرد مقابلة في كرة القدم، حولها »الأشقاء« في القنوات التلفزيونية المصرية إلى معركة حقيقية وبلغ التعصب الأعمى لدى إحدى القنوات ، يوم الجمعة الماضي، حد بث النشيد المصري المعروف »الله أكبر فوق كيد المعتدي« وهو النشيد الذي كانت وسائل الإعلام المصرية تبثه لشحذ الهمم أيام كانت مصر تقود الأمة العربية في صراعها ضد العدو الإسرائيلي المدعم من أمريكا وباقي الدول الغربية، لكن يبدو أن »الإعلام« المصري وجد، في الزمن الحالي الذي يأخذ في مصر تلاوين كامب ديفيد، عدوا آخر هو الجزائر. لا داعي للخوض في كل ما قيل من طرف »الإعلاميين« المصريين، فقد سبق للعديد من الصحفيين الجزائريين في الصحافة المكتوبة أن تناولوه، لكن ما نود التركيز عليه هنا هو أن الشعب الجزائري وجد نفسه، أمام هذه الحرب الدعائية التي مسته حتى في أقدس مقدساته، في وضعية اليتيم في مأدبة اللئام. شكك اللئام في عدد شهدائنا ومنوا علينا ووصفوا أنفتنا بالعصبية ... دون أن تكون للجزائر الوسيلة نفسها لا لترد عليهم أو تدخل معهم في الحرب بنفس الأسلوب بل لجعل الجزائريين والرأي العام العربي يتابعون الأخبار بدون تزييف أو تحريف. الوسيلة التي نشير إليها هنا هي: التلفزيون. المعروف أن القنوات التلفزيونية العمومية، مهما كان عددها وكفاءة العاملين بها، لا تتوفر على نفس حيز الحرية الموجود لدى قنوات التلفزيون الخاصة، كما أن الطابع الشبه رسمي للتلفزيون العمومي يجعل كل ما يقال فيه يفسر على أنه تعبير عن رأي السلطة مما يجعله يدقق في كل ما يقول ويتحرج في اتخاذ الكثير من المواقف. إضافة لما سبق، فأن التلفزيون العمومي لا يستطيع أبدا إرضاء كل الأذواق ولا تلبية كل الاحتياجات في مجال الاتصال مما يجعل مواطني الدولة التي لا تتوفر على العديد من القنوات العامة والخاصة يتوجهون إلى قنوات أجنبية لإشباع حاجاتهم من الأخبار والأفلام والموسيقى وغيرها من منتوجات الفرجة. لم نترك أية فرصة، في ندوات حزب جبهة التحرير الوطني التي دعينا إليها، وفي الصحافة الوطنية وكذلك في مدرجات الجامعة وفي الملتقيات حول الإعلام والاتصال في الجزائر، لجلب الأنظار وللتنبيه إلى أهمية فتح السمعي بصري أمام المهنيين الجزائريين، وقلنا أكثر من مرة أننا، كأساتذة في علوم الإعلام والاتصال، لا نفهم كيف أنه صار بإمكان كل الجزائريين، وبدون استثناء، استقبال كل قنوات العالم ومع ذلك لا يحق لهم، في نفس الوقت، أن تكون لهم قنوات خاصة يملكها جزائريون يقيمون بالجزائر ويعمل فيها إعلاميون جزائريون بمقدورهم منافسة القنوات العالمية الأكثر استقبالا في الجزائر. سبق أن تحدثنا عن الأخطار الناجمة عن تشرذم الرأي العام الجزائري بسبب تتبعه لقنوات مختلفة حيث لكل واحدة منها خطها الافتتاحي وإستراتيجيتها وأهدافها، واشرنا إلى أنه من الغير المعقول أن يدخل كل من هب ودب بيوتنا ويتوجه إلينا بدون مانع أو حاجز، ولا يسمح في نفس الوقت لجزائريين، من صلب الجزائر وعمقها، من أن تكون لهم قنوات يتوجهون من خلالها، وفي إطار قانون واضح وبرنامج أعباء محدد، إلى بني جلدتهم. كجزائري، من حقي أن أصرخ: أريد قنوات خاصة جزائرية تعيد الأسر الجزائرية إلى الفضاء الجزائري وتعمل على نقل صورة الجزائر إلى الخارج. ذلك جد ممكن لأن الصحفيين الجزائريين ليسو أقل مهنية من غيرهم بل كثيرا ما أثبتوا، عندما أتيحت لهم الفرص في القنوات الأجنبية، أنهم على مستوى عال من الكفاءة وعلى قدر كبير من المهنية. قلنا أكثر من مرة أن القناة العمومية مهما تم استنساخ أعداد منها، ومهما بلغ مستوى صحافييها وتوسع حيز حرية إعلامييها، لا تستطيع أبدا أن تستجيب لكل الأذواق وأن تدخل في منافسة مع القنوات الأخرى التي يتمتع صحافيوها بالكثير من الاعتبار وكثير من التقدير وحرية المبادرة. كل المختصين في مجال السمعي بصري يؤكدون أن القنوات العمومية لا يمكنها أبدا الاستجابة لكل الأذواق ولا تستطيع وحدها تجنيد الرأي العام الوطني حول قضاياه المصيرية. إنه ما فهمته السلطة الفرنسية في عز حكم الاشتراكيين عندما لجأت، أمام غياب قنوات فرنسية خاصة في منتصف الثمانينيات، إلى خوصصة القناة الفرنسية العمومية الأولى )TF1( سنة 1987.