عندما قتل المدير العام للأمن الوطني السيد علي تونسي رحمه الله، سكنتني مقولتان: الأولى، مستوحاة من أفلام الوستيرن الأمريكية، أما الثانية فهي لغوبلز وزير الدعاية في عهد هتلر. تقول حكمة الوستيرن: »عندما تنتهي الحرب تبدأ المافيا«، وأخشى أننا في الجزائر نعيش هذه الحالة، فمع عودة الأمن إلى ربوع الوطن، بعد أزمة أمنية قاتلة وتحقيق المصالحة الوطنية وشروع البلاد في مشاريع التنمية بقيمة تفوق 200 مليار دولار خلال العشر سنوات الأخيرة، بدأ الحديث عن »المافيا« التي تتحكم في مفاصل المجتمع، عنوانها الكبير «الفساد« أما العناوين الفرعية فتتعدد من استيراد البضائع الفاسدة إلى الرشاوى والعمولات، وانتهاء بتفجير فضيحة سوناطراك والطريق السريع شرق غرب وسونالغاز، وتهريب الأموال من مختلف مكاتب البريد عبر الوطن وغيرها كثير وكثير وكثير. وكنا نعتقد أن قضايا الفساد مهما كبرت، فإن نهايتها ستكون الإقالات أو الاستقالات أو العدالة، ذلك أن العدالة هي التي تعيد للمجتمع حقه وللمظلوم مظالمه، مثلما حدث مع قضية »الخليفة بنك«. المشكلة الآن، هي أن يخرج المفسدون سلاحهم ويقتلون كل من يعترض طريقهم حتى لو كان مسؤولا كبيرا في الدولة. إن المفسدين قتلوا المجتمع أصلا، قتلوه وانتهوا، لأن كل نهب للمال العام، يعد قتلا للمجتمع ككل. لأنهم استولوا على الثروة التي بها يحيا المجتمع، أما أن يصل بنا الوضع إلى درجة أفلام »المافيا الإيطالية« فإن الوضع ليس على ما يرام. وإذا صحت الرواية التي تحدثت عنها الصحافة الجزائرية، من أن المرحوم علي تونسي قتل لأنه أقال أحد الضباط لأنه متهم بالفساد، فإن الأمر يصبح خطيرا للغاية. وإذا قال غوبلز وزير الدعاية في عهد هتلر: »كلما استخرج الناس أفكارهم استخرجت سلاحي« أي لقتلهم، لأن الذي يحمل السلاح فقط، ويعتمد عليه لوحده في إدارة شؤون الحياة، يبقى ضعيفا من حيث الفكر والثقافة، وبالتالي ضعيف الحجة، لذلك فضل غوبلز أن يستخرج سلاحه لأنه ضعيف أمام الأفكار. وبالمقابل نقول إنه إذا استخرج المفسدون سلاحهم، للدفاع عن مصالحهم بالقوة، وبالشكل الذي جعلت العقيد علي تونسي يقتل في مكتبه، فهذا يعني أن الدولة التي قال عنها بوتفليقة عام 1999 بأنها مريضة ما تزال كذلك، وهي رسالة عاجلة لمن يهمه الأمر.