؟ حزب جبهة التحرير الوطني كان طيلة الأسابيع الماضية محل اهتمام الصحافة الوطنية التي أولت عناية كبرى للمؤتمر التاسع ''للأفلان''، وذلك دليل على دور الجبهة في انعاش الحياة السياسية من جهة، والديناميكية الذاتية التي يتمتع بها هذا الحزب العتيد، بالرغم من كل المحاولات التي أرادت النيل منه من جهة أخرى• وبالرغم من كون الصحافة الوطنية قد اهتمت بما سمي ''بالصراع'' و''الانقسام'' داخل الحزب، وأهملت التطورات الإيجابية، التي أخذت طابع التقاليد الراسخة في ممارسات هذا الحزب، إلا أن ذلك لم يقلل من قيمة هذه التطورات، ولا أن يمحو المحاولات الرامية إلى تجديد دماء هذا الحزب بطريقة تضمن استمراريته ومواكبته لمتطلبات العصر• إن التحضيرات لهذا المؤتمر التي امتدت على مدار سنة تقريبا أفرزت جملة من المعطيات لا ينكرها إلا جاحد، جديرة بالوقوف عندها• أولها: لقد أصبح استعمال الصندوق كفيصل في الممارسة الحزبية عند ''الأفلان''، وهذا في حد ذاته مكسب للديمقراطية• ثانيها: تعايش الحزب مع اختلافات مناضليه، وهي اختلافات ما كان لغيره من الأحزاب أن يستمر لو وجد به هذا الكم الهائل من الأفكار المتضاربة أحيانا• ثالثها: قدرة حزب جبهة التحرير على التكيف مع المستجدات الوطنية، والتعبير عن الانشغالات الشعبية، الأمر الذي مكنه من كسب ثقة الشعب في جميع الاستحقاقات الوطنية، فاحتل بذلك الريادة السياسية في البلاد• وإذا كان من حق الصحافة الوطنية الحديث عن وجود صراعات وخلافات داخل حزب جبهة التحرير الوطني، فلماذا لا تصنف تلك التفاعلات داخل خانة الديناميكية التي يتميز بها ''الأفلان'' دون غيره من الأحزاب؟ إن مسار حزب جبهة التحرير الوطني يؤكد باليقين منذ تبني التعددية السياسية في البلاد أنه كان أول من التزم بالممارسة الحقة للديمقراطية، سواء داخل صفوفه، أو في علاقاته مع محيطه السياسي، وذلك إيمانا منه بأن لا مستقبل للبلاد ولا ''للأفلان'' دون ممارسة ديمقراطية حقيقية تضمن للمواطن حقه الأساسي في ممارسة السيادة الشعبية، ولعل التناوب على قيادة الحزب طيلة مسيرته التاريخية لأحسن دليل وأثبت برهان لأولئك الذين لا ينظرون ''للأفلان'' إلا بالعين التي لا ترى إلا المساوئ ! ويبدو أن دعاة الفتنة الذين تسببوا بمواقفهم المتطرفة في إطالة عمر الأزمة الدامية، التي عاشتها البلاد طيلة أزيد من عشرية كاملة، كانت دمارا وخرابا للبنيان والإنسان، قد عادوا هذه الأيام إثر صعود أصوات ناعقة عبر صفحات الجرائد لم تتورع في اتهام عبد العزيز بلخادم أمين عام حزب جبهة التحرير الوطني بالاستحواذ على ''الأفلان''، محاولين إعادة النفخ من جديد في ما يسمى بالصراعات والانقسامات داخل صفوف الحزب• هؤلاء الرهط من البشر الذين ينعقون خارج السرب على صفحات الجرائد وصالونات العاصمة، نقول فيهم ما قال جبران خليل جبران في قصته ''النبي''، وهو المفكر والأديب الذي أقام له الأمريكان نصبا تذكاريا لما قدمه للإنسانية من حكمة وموعظة في فهم أسرار الحياة، لعلهم يتعظون، وهم المعجبون بأمريكا وديمقراطيتها• إن السيد عبد العزيز بلخادم المشهود له بعمله الدؤوب خلال الخمس سنوات الماضية على لم شمل جميع المناضلين دون إقصاء أو تهمة لأحد، والمعروف بخصاله الحميدة وأخلاقه العالية يشبه إلى حد بعيد ذلك المعلم الذي تحدث عنه جبران، المعلم الذي يسير في ظل المحبة، محاطا بأتباعه ومريديه، فهو لا يعطي شيئا من حكمته، بل إنه يعطي من إيمانه وعطفه ومحبته• إذا كان هذا المعلم حكيما، فإنه لا يأمركم أيها السادة المناوؤون، بأن تدخلوا بيت حكمته، بل يقودكم إلى عتبة فكركم وحكمتكم، إن كانت لديكم حكمة وفكر• إن الفلكي يستطيع أن يسرد لكم شيئا من معرفته لنظام السماء وأجرامه، ولكنه لا يقدر أن يعطيكم معرفته• والموسيقي يستطيع أن ينشدكم أجمل الأنغام، ولكنه لا يستطيع أن يمنحكم الأذن التي تضبط النظام في النغم• إن السيد عبد العزيز بلخادم، هو ذلك المعلم الذي تحاولون عبثا تشويه سمعته، فهو صانع سلام في نفوسكم الشريرة، لعله يحوّل ما فيكم من تنافر وخصام وحقد وكراهية إلى وحدة وسلام• لكن أنى أن يكون له ذلك، إن لم تصيروا أنتم صانعي سلام لنفوسكم المريضة، ومحبين لجميع الأفراد بالسوية• إنكم قد تستطيعون أن تسكتوا صوت الطبل، وأن تقطعوا أوتار الفيتارة، ولكن من منكم لديه القدرة على أن يأمر عصفورة السماء أن تكف عن الغناء• إن العظيم، هو ذلك الذي يحول صفير الريح إلى أصوات جميلة، تزيدها محبته حلاوة وعذوبة•• ذلك هو عبد العزيز بلخادم• أجل إن العمل من أجل المصالحة ولم شمل مناضليه الذي يقوم به هذا الرجل هو الصورة المجسدة للمحبة الكاملة، وللحياة في أبهى صورها، لأن الحياة تكون ظلمة حالكة ونارا حارقة إذا لم تكن مقرونة بمشاعر الأخوة والمحبة والتسامح•• أما أنتم يا دعاة الفتنة، فإن نفوسكم باتت ميدانا للشر والبغضاء، ومن ثمة فإن كثيرا منكم لم يصر - كما قال جبران - بشرا، بل هو مسخ، لا صورة له، يسير غافلا في الضباب، وهو ينشد عهدا قد ولى وانتهى إلى الأبد•