ينشطر المواطنون عادة وفي كل البلدان، على الأحزاب التي يرون أنفسهم فيها- كأفراد وجماعات- كيانات متحركة فاعلة، وحزب جبهة التحرير الوطني في الجزائر، ظل أكثر الأوعية التي تستقطب من يريد التعبير عن نفسه وتعزيزها بالمجموعة التي تشبهه، كما هو أكثر الأحزاب جذبا للناس من مختلف الأعمار والثقافات، رغم وجود التعددية الحزبية التي حاول البعض أن يقيم بنيانها على أنقاضه، ولعله من الأدلة الواضحة التي تؤكد أنه الحزب الأكثر استقطابا للأفراد والأكثر اهتماما من مريديه ومناضليه، ما حدث من توترات وتشنجات سبقت انعقاد المؤتمرات الجهوية، الممهدة للمؤتمر التاسع، حيث يريد الكل أن يحضر المؤتمر، باعتباره أكبر تجمع لكثير من خيرة المواطنين، الذين يناضلون باسم حزب جبهة التحرير، من أجل نشر قيّم الحرية والعدالة والعزة والكرامة، التي توارثوها جيلا عن جيل . إذا كان الحزب في أي منظومة سياسية، يتجاوز التجمّع البشري المجرد، إلى مؤسسة تنظيمية تجمع المؤمنين بأيديولوجية واحدة، يستميتون في الدفاع عنها، ويضحّون من أجل انتصارها، فإن فعالية هذا التجمّع، إنما تقاس بالنوعية التي تميز مناضليه، وتعطيهم القدرة الكاملة على إقناع الآخر بصدقية مشروعهم، من خلال تبنيهم لحقائق مختلف فئات المجتمع، وانتصابهم قدوة للمواطن، في الكفاءة والنزاهة والالتزام بالحق والقانون، ونكران الذات في كل ما يقومون به، في حياتهم الخاصة والعامة . لقد كان حزب جبهة التحرير الوطني ولازال، وسيلة التعبير السياسية الأكثر نجاعة وصدقا ومصداقية، في تبنّيه لقضايا الشعب، ولذا نجده أكثر الأحزاب استهدافا، من طرف الذين لا يروقهم أن يعلو شأن هذا الشعب، لظنهم أنهم أعلى منه، أو تتناقض مصالحهم الشخصية مع مصالحه العامة، ومن ثم فإن حزب جبهة التحرير الوطني، الذي تثري مسيرته أجيال جزائر ما بعد استرجاع الاستقلال، بما اكتسبته من تجربة جيل الثورة، ضمن مرجعية وثيقة نوفمبر التاريخية، مطالب- كي لا يتكلّس أو يتقلّص- بتطوير آليات تعزيز ثوابته التي تميّزه عن غيره من الجمعيات أو الأحزاب السياسية، وذلك بتحديث آليات عمله، ليعيش مرحلته وُيعدّ عدّته للمراحل القادمة على مختلف المديات، وقد يكون التأكيد على أخلقة السياسة، أحد الممرات الإجبارية التي تفسح المجال واسعا لكفاءاته، دون النظر إلى السن أو الجنس كي تتبوأ مكانها في مختلف مواقع القيادة، ابتداء من الخلية إلى الأمانة العامة . إن التركيز على تجديد الهياكل التنظيمية، واعتماد مقاييس التنافس المهني النضالي، سيسمح حتما ببروز تلك الكفاءات داخل الدوائر النضالية، ويعزّز روح الالتزام أكثر، لدى المناضل ببرنامج الحزب، الذي تجسّد من خلال العزيمة الثورية، والمساهمة الواعية في البناء الوطني، والتضحية من أجل جعل ذلك البرنامج، قوّة اقتراح مسموعة مقبولة في كافة ميادين الحياة، سيتحوّل هو نفسه إلى أداة تطبيق لها فاعلة، ويقطع الطريق على الوصوليين، الذين يتاجرون بالمبادئ في أسواق النخاسة كلما هبّت رياح الانتخاب، ومن شأن كل ذلك، أن يحمي الحزب من عوامل التعرية، التي تنثرها السياسة بين مرحلة وأخرى، لا بل سيجعله يجدّد نفسه بحكمة جيله الأول، وكفاءة رجاله، وقوة شبابه، وعزيمة نسائه، في وقت يعمل فيه خصومه وأعداؤه- ليل نهار وبلا هوادة- على أن يرحل أو يتبدد.