بقلم: الأستاذ عبد الحميد عبدوس بالرغم من أن أضواء مونديال كرة القدم 2010 تخطف كل الأبصار وتغطي بالتالي على مجمل الأحداث، فإن زيارة عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية إلى قطاع غزة المحاصر تبدو جديرة بالتوقف عندها، ومع أن هذه الزيارة الرسمية العربية قد جاءت متأخرة جدا، أي بعد أن تم خراب البصرة –كما يقال- إذ ترملت النساء في غزة وتيتم الأطفال ودمرت المنازل وخربت المرافق، فقد اعتبر رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة إسماعيل هنية هذه الزيارة بأنها تاريخية لأنها كسرت حاجزا مزيفا وضعه النظام العربي على قضية قطاع غزة، فجعل الأنظمة العربية ترى أنه من الأسهل عليها أن تقاطع حركة حماس بدل مقاطعة العدو الإسرائيلي المحتل. زيارة عمرو موسى إلى قطاع غزة لم تتم في سياق يقظة ضمير عربي أو تغير في طبيعة الأنظمة العربية ولكنها جاءت نتيجة تصاعد الضغط الدولي على إسرائيل بعد جريمتها النكراء وفضيحتها الأخلاقية والسياسية والعسكرية في عملية القرصنة على أسطول الحرية. لقد جعلت هذه الجريمة الإسرائيلية الأصوات ترتفع لتضع الأمور في نصابها الصحيح حتى وإن جاءت بعد صمت طويل، فقد صرح روبيرت سيري منسق عملية السلام في الشرق الأوسط قائلا: "هناك توافق داخل اللجنة الرباعية الدولية على تغيير الوضع القائم تغييرا جذريا". أما مفوضة الأممالمتحدة لحقوق الإنسان فقالت: "الحصار غير قانوني ويجب رفعه". وحتى وزير المواصلات الإسرائيلي اعترف بأن هدف الحصار كان سياسيا وكان من أجل مساعدة محمود عباس على إعادة سلطته على غزة. غير أن الشيء الذي يستوقفنا في زيارة عمرو موسى لقطاع غزة هو تصريحه بأن "العرب أخطؤوا في الدخول في عملية سلام لا نهاية لها مع إسرائيل". وأضاف: "إذا لم يحدث تقدم في عملية السلام من جانب الوسيط الأمريكي واستمرت السياسة الإسرائيلية المتطرفة، فإننا سنذهب إلى مجلس الأمن ونحمل كل أعضائه المسؤولية عن الموقف". واللافت للانتباه أن التشخيص الصحيح للمسيرة السلبية للسلام مع المحتل الإسرائيلي من طرف الأمين العام لجامعة الدول العربية، لا يدل على أن هناك مسعى عربيا رسميا يؤدي إلى اللجوء إلى خيار آخر أو بديل رادع للعدوان الإسرائيلي، لأن الأنظمة العربية وبشكل أساسي الأنظمة التي تنضوي تحت سقف "الاعتدال العربي" قد رضيت بأن تتحول مبادرة السلام أو الالتزام المعلن بمسار السلام إلى قيد تضعه إسرائيل في رقابهم وتقودهم به إلى حيث يتسنى لها الحصول على السلام والمزيد من الأراضي العربية المغتصبة! فمنذ أن تقدم القادة العرب بمبادرة سلام في قمة بيروت سنة 2002 تصاعد العنف الإسرائيلي وتوالت موجات العدوان والتدمير الصهيوني للمدن العربية والاستهتار بالكرامة العربية. فلم يسحب العرب مبادرة السلام بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان في سنة 2006 وارتكاب مجزرة قانا وغيرها من المجازر التي تجعل القانون الدولي وهيئات الشرعية الدولية مجرد شواهد زور على عصر الهمجية الصهيونية والتواطؤ الامبريالي الأمريكي الأوروبي معها. ولم يسحب العرب مبادرة السلام بعد الجريمة ضد الإنسانية التي اقترفتها إسرائيل ضد أهالي قطاع غزة في نهاية 2008 وبداية 2009، وهي جرائم وثقها تقرير رئيس لجنة تقصي الحقائق للأمم المتحدة ريتشارد غولدسون، واكتفى الزعماء العرب بالقول في قمة الكويت (2010) بأن المبادرة لن تبقى فوق الطاولة إلى الأبد، وهو كلام تعرف إسرائيل قبل غيرها أن لا يصل حتى إلى حد إزعاج مربع! لقد علق العرب آمالا كبيرة على وعد التغيير الذي رفع شعاره الرئيس الأمريكي باراك أوباما ولكن الرئيس الأمريكي اعترف بعد سنة كاملة قضاها في سدة البيت الأبيض بأنه لا يستطيع الضغط على إسرائيل وكل ما يمكنه فعله هو أن يقترح خطة سلام على طرفي النزاع. وكأن أمريكا هي مجرد ملاحظ محايد في أزمة الشرق الأوسط وليست الداعم الرئيسي بالمال والسلاح والدبلوماسية والحماية الدولية لإسرائيل واحتلالها للأراضي العربية. لقد حققت اتفاقيات ومبادرات السلام العربية لإسرائيل أكثر بكثير مما حقته لها دبابات "الميركافا" وطائرات ال ف 16 الأمريكية في حروب إسرائيل ضد العرب والفلسطينيين. إذ وفرت هذه الاتفاقيات لإسرائيل مظهر الدولة الشرعية الباحثة عن السلام والمعنية بصنعه مع جيرانها العرب. أما من الناحية الفلسطينية فقد عبر عن ذلك المفكر الفلسطيني عزمي بشارة الذي يقول: " كان إنجاز الحركة الوطنية الفلسطينية في الشتات هو بناء الهوية الوطنية الفلسطينية، ولذلك فإن الطامة الكبرى التي حلت بحلول الاتفاقيات مع إسرائيل، هو تشتيت القضية الفلسطينية شظايا وتفكيكها قضايا، قضية الضفة، وقضية القطاع، وقضية القدس، وعرب الداخل، والأردن، ولبنان، وهذا الشتات وذاك..". وعليه يمكن القول تعقيبا على تصريح السيد عمرو موسى بأن العرب يدركون الخطأ ولكنهم يصرون على التوغل فيه!.