يحدث كثيرا وأنت تتهيأ لمقابلة صحفية مع كاتبة قرأت نصوصها ، وتعرف مشوارها أن تكون خائفا ومرتبكا في البداية، لاسيما إن كنت ستحل ضيفا في بيت هذه الكاتبة ، مع الأديبة زهور ونيسي كل شيء كان مختلفا وخارجا عن الزمن ، تستقبلك بشوق الأم ، تتواضع لأسئلتك وتجيب على جميعها تواضع الكبار ، تسامحك إن نرفزتها وتتقبل رأيك وإن خالفتها ، ونحن نغادر بيتها بعد حوار دام أكثر من ساعتين من الزمن ، تساءلنا إن نحن التقينا بها حقا ، وهل حضينا فعلا بهذه الفرصة التي لا تتكرر ، ليكون هذا الحوار الدليل الملموس على لقائنا و شوقنا الدليل الأبدي على حبنا لها. جهيدة رمضاني -زهور ونيسي الأديبة هل تتحاشى الخوض في موضوعات تصنف على أنها تابو؟ +أعتقد أنني منذ بدأت الكتابة لم أتحاشى الخوض في أي موضوع شائك أو يصنف على أنه تابو.أظن أنني إلى اليوم طرحت كل القضايا الجنسية الغير جنسية، الأخلاقية، الغير أخلاقية، إلى جانب الاجتماعية والسياسية، إلا أن طريقة الطرح للموضوع الشائك تأخذ منحى آخر في كتاباتي، في رأيي طريقة المعالجة تختلف من كاتب إلى آخر، هناك من يفضل استعمال الكلمات الصريحة، الكاشفة التي تخدش الحياء العام أحيانا، شديدة الوقع على القارئ. إلا أنني أعتمد في توصيل رسالتي على أسلوب أحترم فيه القارئ كثيرا، أنا لم أتخلى عن أي موضوع في حياتي الشخصية أو تجربتي السياسية والمهنية ولم أكتب عنها لكن هناك أسلوب للطرح ، لغة معينة ، لقاء بين القارئ ، والكاتب من شأنه أن لا يقضي على هذه الصلة . طرحت كل القضايا التي تهم المرأة والرجل حتى أنني بأسلوبي الرمزي والإيحاءات أستطيع أن أقنع أكثر ممن يعبرون عن أفكارهم بأسلوب صريح يخدش حياء القارئ. أنا مؤمنة بضرورة الكفاح من أجل القضاء على كل السلبيات الموجودة في مجتمعي، أحاول أن لا أتخلى عن أي موضوع يشكل تابو في مجتمعي .أنا شخصيا أقول أنني طرحت قضية الزواج والطلاق والإهمال العائلي وتعدد الزوجات وغيرها من المسائل والقضايا الأسرية الحميمة في قانون الأسرة في البرلمان عام1980 ولاقى أسلوب طرحي استحسان الجميع نظرا لاقتناعهم بما أطالب. -ألا تظن الأديبة زهور ونيسي أن هذا الأسلوب له خلفيات وظروف جعلت من قلمك يتميز بهذا القدر من الاحترام للآخر ،أم هو اختيار من قبلكم؟ + نعم هو اختيار، لكن أحاطت به مجموعة من الظروف ، لأنني ومنذ بدأت الكتابة ،أتصور أنني سأؤدي رسالة وهذه الرسالة يجب أن تصل وأن تؤثر ويجب أن أبلغ وأن أقنع ، لذلك لم أتخلى عن أي موضوع ، وأنا أكتب حاليا في يومياتي، لا ولم أتخلى عن أي نقطة إلا وكتبت عنها لكن هناك لغة وتعابير، هناك التقاء بيت القارئ، والكاتب من شأنه أن لا يقضي على هذه الصلة. -كل من يقرأ لزهور ونيسي لا يستطيع الفصل بين ما تكتبينه وبين شخصية أنت كإنسان ، أين هي زهور ونيسي بين ما تكتبه وما تتخيله وما تصنعه من شخصيات؟ +تكوين الإنسان تربيته، محيطه، تربيته كل هذا يجعل من الكاتب يختار الأسلوب الذي يكتب به، أنا كامرأة تربيت في وسط اجتماعي محافظ على القيم والتربية وعلى العادات والتقاليد، هذا من شأنه أن يشكل الإنسان ويشكل قلمه، و لا غرابة في ذلك. -ما هو تقييمك للكتابة النسوية في الجزائر في ظل استحداث العديد من الملتقيات والمهرجانات التي تعنى بالكتابة النسوية ؟ هذه نشاطات معظمها رسمية لا تعتمد كثيرا على التخطيط السليم لطرح قضايا وأفكار معينة، تدخل في إطار المهرجانات التي تعتمد على الجانب الرسمي أكثر من الجانب الفكري والثقافي.لكن التجربة الإبداعية النسائية أقيمها على أنها تجربة جميلة و واعدة، لكنني أعتقد أن هذه التجربة تحتاج أكثر إلى التعمق في الثقافة الأدبية. -ماذا تقصدين تحديدا ؟ + نستطيع أن نكتب قصة قصيرة أو رواية أو قصيدة شعرية ، ولكن هذا الكاتب عندما لا يكون مثقفا ثقافة عميقة في الأدب والشعر والنثر لا يمكنه أن يستمر ، لذلك نجد الكثير من الروائيات الشاعرات القاصات والقليل من المثقفات، المثقف هو الذي استطاع أن يلم بتراكمات ثقافية كبيرة من خلال القراءة المطالعة، والمزج بين القراءة التراثية والحديثة ،أيضا من خلال المزج بين الثقافة المكتوبة والشفوية دون إهمال التجربة الشخصية وتجربة الآخرين. مثلا أنا ما كتبته قبل 20 سنة غير ما كتبته الآن ،ولعل تجربة بوجدرة الإبداعية رائدة في هذا المقام فقد تعمق في دراسة التراث العربي الإسلامي حتى استطاع كتابة بعض الروايات الأخيرة .آسيا جبار مثلا عندما ذهبت إلى ألمانيا لحضور تكريمها بجائزة السلام وجدت أنها تراجعت عن عملية التبسيط الفكري اتجاه الثقافة العربية الإسلامية وتوجهت إلى دراسة أمهات الكتب ،وكانت تذكر هذه المرجعيات التي صنعت منها آسيا جبار جديدة إذن الثقافة شيء ، والكتابة شيء آخر.الكتابة الروائية أو القصصية تعتمد على التجربة الشخصية وتعتمد أيضا عن التأريخ ، مثلا عندما أتناول مرحلة ما من تاريخ الجزائر علي أن أكون ملمة بكل تلك الظروف المحيطة بكتابتي. لكنني أثمن بعض الإبداعات في الرواية مثلا لرواية كتبتها ضابطة في الشرطة عنوانها » عندما يصمت الرصاص« تحمل الرواية كل مقومات الرواية، كاتبتها أ خذت من خزان التجربة التي مرت بها .في الشعر مثلا نجد حنين عمر في قصائدها الشعرية الجميلة الرائعة ، هذه الشاعرة التي بالنسبة إلي بادرة ثقافية رائعة. -بين الجوائز الأدبية والكتابة من يعكس الأخر في رأيك؟ +لا تهمني الجائزة بقدر ما تهمني الاستمرارية في الكتابة وهذا التطور والتجدد في الكتابة مع العلم أن المرأة في الجزائر لا تكتب من فراغ وأنا أستبشر بمستقبل الكتابة النسوية في الجزائر. -بالرغم من هذا من العديدات من فضلن الهجرة واختيار المنفى للكتابة على غرار آسيا جبار ، أحلام مستغانمي، فضيلة الفاروق وغيرهن ؟ +آسيا جبار كانت تنشط معنا في مجلة الجزائرية ، كنا تقدرها ونحترمها ولكن فجأة نجدها غادرت نتساءل ماهي الظروف التي جعلتها تهاجر ولا ترجع السؤال لماذا لم ترجع آسيا جبار؟ -ولماذا لم تهاجر زهور ونيسي هي نفس الظروف أليس كذلك؟ +نعم نفس الظروف، في اعتقادي هو راجع إلى ظروف تكوينية، النشأة، إلى العزيمة، الإرادة لا أقول الوطنية لأنني لا أريد أن أزايد على أي شخص آخر.أنا لا أستطيع ان أعيش خارج الجزائر هناك خلفية سياسية كبيرة وفكرية عندي تمنعني من ذلك بل أتعجب من أولئك الذين يذهبون ولا يرجعون رغم أن الأجنبي في بلد أجنبية هو أجنبي، مهما كانت امتيازاته وحقوقه. - وأحلام مستغانمي؟ +ربما هناك ظروف ضغط لا نعرفها ربما للبحث عن إطار آخر للكتابة، عن متنفس أكثر حرية وانفتاحا وأكثر أمانا.هناك مبررات وغايات معينة وراء هجرة كل واحدة.بالنسبة لي وصلت إلى كل أهدافي وأنا في الجزائر، هل هو صعب الوصول إلى هذه الأهداف.أبدا أنا معززة مكرمة وكرمت في العديد من الملتقيات في بيروت ودمشق، سأكرم في الدوحة في بداية نوفمبر في اللقاء الثالث للأديبات الرائدات في الوطن العربي.عرفت في الوطن العربي في بداية 62وحولت إحدى قصصي في قناة إذاعة صوت العرب إلى مسلسل من 30حلقة، وطبع لي في القاهرة سنة 67ولم أذهب أنا لأطبع في القاهرة بل كلموني وبحثوا عني وطلبوا مني المجموعة القصصية الكاملة. -أنت لا تبررين لهن لكن بالمقابل تدافعين عليهن؟ +أنا أدافع عليهن على أحلام مستغانمي وفضيلة الفاروق وكلهن ،أنا أفتخر أن هناك من الكاتبات الجزائريات من وضعن بصمتهن في بلدان أخرى هاجرن إليها ، أفضل أن أسمع أن هناك أديبة في بيروت فجرت قنبلة في الأدب النسائي أوفي الوطن العربي على أن يقال لي أن أحلام مستغانمي تقبع في بيت في بيروت منعزلة عن العالم وكذلك آسيا جبار وفضيلة الفاروق وغيرهن. أما مواقفهن السياسية والاجتماعية هن حرات في قناعاتهن ،لكن لدي قناعة ان الجزائر من أجمل البلدان وسياستنا من أحكم السياسات وثورتنا فخر الثورات ، القضية قضية صبر وكفاح هناك من يريد أن يبقى مكافحا مناضلا من أجل التغيير ،ومن أجل أهداف معينة لم تتحقق بعد، وهناك من يهتم بنفسه فقط . - ماهو التحول الإبداعي الذي طرأ على مسار زهور ونيسي الأدبي في العشرية السوداء؟ +هو تحول كبير جدا وجذري جدا، لأنني ككتابة وكجاهدة ما عشته أثناء الثورة وما كتبته في فجر الاستقلال شيء ،وما كتبته في العشرية السوداء شيء آخر .تصورت أنني وصلت إلى قمة السلام والأمان وأنني سأعيش حياة هادئة، ولكنك تفاجئين أنك تعيشين فترة لم تمر على أي بلد آخر نحن الذين دشنا الإرهاب ونتحمل تبعات الإرهاب إلى اليوم. - من يتحمل المسؤولية في رأيك؟ +الإرهاب هو عملية استعمارية جديدة يتحمل مسؤوليته الغرب، بكل ما يحمله من فكر استعماري، الجزائر أغرت بكل ما تحمله من مقومات جغرافية مادية وبشرية بتحطيمه، أنا لا أعلق أخطاءنا على مشاجب الآخرين لكن السنوات أثبتت أن الإرهاب من صنع الاستعمار الغربي . تغير أسلوبي في الكتابة بتغير المواضيع والأطروحات، وأنا أكتب في العشرية الأخيرة، اعتمدت على الواقع أكثر من المتخيل أصبح هو المادة الخام باعتباره أصبح أغرب من الخيال كما يقال .انتقلت بعدها إلى مرحلة أخرى أعتمد فيها على مواضيع جديدة وأطروحات جديدة . لكن في مرحلة الإرهاب كتبت من أسوأ واقع عشته في الجزائر، نحن لا نذكر فقط الإرهاب، نذكر تبعات الإرهاب، عدم التحكم للدولة في مرحلة ما، الفساد الذي انتشر، الأزمة الأخلاقية التي نتجت عن الأزمة الدموية. كمثقفين نكتب داخل الوطن وما عشناه لحظة بلحظة، عشنا التهديد، الإرهاب الفكري. - ورغم ذلك لم تتوقفي عن الكتابة؟. +وهذه هي نقطة قوة الكاتب الجزائري، الكاتبة الجزائرية لا تكتب من فراغ أو من الهام نزوة أو علاقة غرامية عابرة ولذلك كتاباتنا أكثر قيمة أكثر من غيرنا. - بين الشعر والكتابة أين تصنف زهور ونيسي نفسها ؟ أفضل الكتابة مع حبي للشعر، أنا أكتب الشعر العمودي والحر في الكثير من الأحيان الا أني أعتز كمثقفة تكتب الرواية والقصة القصيرة . +أنا تعودت على الإبداع النثري ، ومؤخرا أنا مدعوة إلى حضور ملتقى الشعر النسوي في قسنطينة ، ناهيك عن مديرته منيرة سعده خلخال ، هي شاعرة اعتبرها لا تزال محتفظة على شخصيتها الكاملة . ..يتبع