كل ما أستطيع أن أقوله ولا أبوح بمضمونه، هو أننا لو سمينا الأشياء بمسمياتها على المستوى العربي الرسمي بنفس الصورة التي نكون عليها الحال، عندما نتعامل مع "حلفائنا" الغربيين، فإن الصورة تنقلب رأسا على عقب، بحيث تتكشف أمور هي في حكم المكشوفة للخاصة وفي حكم المستورة للعامة، أي الجمهور على رأي الفقهاء، وبما أننا لا نستطيع إلى ذلك سبيلا فلنبق على ما نحن عليه دون أن نتجاوز ذلك إلى المناطق المحرمة أو الملغمة المحظورة.. ولننظر إلى الأشياء بعين واحدة دون عوار يعترينا أو غشاوة تحول بيننا وبين رؤية الأشياء على حقيقتها، فساركوزي القادم إلينا من الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط الذي يريد له ساركوزي أن يكون بحيرة "إسرائيلية" وأوباما المنحدر من أصول إسلامية ليست بعيدة، يتباريان حول أيهما أكثر ولاء وحبا لإسرائيل "المسكينة" على حد رأي بعض قادة العرب "القدامى" وبعض المتعاطفين معها من المعاصرين، خاصة أولئك الذين ذرفوا عليها دموعا غزيرة بعد حرب تموز !! ووقوفا إلى جانبها، في الوقت الذي لم نسمع فيه، ولا من واحد ممن يعتاشون ويقتاتون ويرتزقون من النفط العربي، وعلى مدى أكثر من ستين سنة، من يقول بأنه يتعاطف مع بؤساء العرب المعتدى عليهم، عبر أكثر من قرن كامل ابتداء من فلسطين ومرورا بثورة التحرير الجزائرية العظمى، وحرب ال67 والاعتداءات المتكررة على لبنان وانتهاء وابتداء معا من القضية الفلسطينية ثانية، ولو بكلمة مجاملة بالتعزية، حتى بمن يموت من "حلفائهم" غدرا أو مواجهة أو التعاطف مع طفل فلسطيني مات وهو في حضن أمه تحت أنقاض ما هدمه اللصهاينة... في الوقت الذي ترانا فيه نتبارى نحن، حول من يكون منا أكثر قربا من الغرب الاستعماري وولاء له، وبت أيضا أنا وغيري لا نعرف ما إذا كان اليهود هم شعب الله المختار أم هم الله بعظمته وجلال قدره، قد تجسد في صورهم البراقة الخلابة حتى أنهم أصبحوا لايخطئون البتة، فهل سمعت ولو لمرة واحدة لوما من أحد لهم على "خطيئة" قد يكونون ارتكبوها - لا سمح الله- ولو بطريق الخطأ ؟ أبدا فالقوم لا يخطؤون، لأنهم هم الله وليسوا فقط شعبه المختار، والله بطبعه معصوم والمجرمون والإرهابيون لا المخطئين فحسب هم، الجزائريون عندما ثاروا على "أمهم "الحنونة الحادبة، والفلسطينيون عندما صرخوا معبرين عن آلامهم، من آثار لسع السياط على جلودهم المعراة، والعراقيون عندما قالوا: لا! للاحتلال الأمريكي، وأطفال لبنان عندما زرعت لهم أمريكا مليوني قنبلة عنقودية كانت تحصدهم وهم يلعبون حول بيوت آبائهم في جنوب لبنان، هذه هي الصورة وإلا هل من صورة أخرى سواها تتجسد على أرض الواقع المعاش في يومياته المتتالية؟ وإذا كانت أمريكا وفي أكثر من مناسبة تعلن على أنها "تتوسط" بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهل سمعنا ولو لمرة واحدة في التاريخ أن الوسيط يكون على قدر من الانحياز الذي هو عليه الأمريكيون للجانب الإسرائيلي؟ وإلا فكيف نفسر تلك الصيحات العالية من كل من أوباما ساركوزي وغيرهما، دفاعا عن إسرائيل وحبا لها وحدبا عليها وتبتلا وتيتما بغرامها؟ أهو سحر بابل أم السحر المغربي كما تقول العجائز هو الذي فعل فعلته بهؤلاء القوم حتى عميت بصيرتهم قبل بصرهم. وآخر ما توصل إليه ساركوزي من البدع وهي الحقيقة التي يسعى إليها هو وحلفاؤه وأضرابه وشركاؤه وعملاؤه، في أنه أولا مع إسرائيل ظالمة أو مظلومة، وتلك هي روح خطابه الأخير في تل أبيب، ورحم الله هواري بومدين عندما رفع هذا الشعار من أجل فلسطين، وبومدين وساركوزي يلتقيان على قاعدة من الخطأ واحدة، وهي أن فلسطين لم تكن ظالمة، وإسرائيل لم تكن مظلومة، ولكنه السجع الذي عزل قاضي قم كما يقول أهل البلاغة من العرب، اقتضى أن تكون العبارة إنشائية على هذا النحو مع ما لها من دلالات وإيحاءات أخرى للمبالغة في إظهار عاطفة التأييد الجازم، وهكذا التقى الرجلان من حيث يفترقان، ولن يلتقيا، وساركوزي يقول اليوم في مسلسل إبداعاته وبدعه أن قيام الدولة الفلسطينية ضمان لأمن إسرائيل ، وهذا صحيح لو كانوا يعقلون ، ولكن أمن إسرائيل في كل أدبيات القوم لم يكن ليعني ولو مرة واحدة تلازمه مع أمن الفلسطينيين ذلك أن هذا قد يأتي إن أتى في الدرجة الرابعة ،إذن فدولة فلسطين مطلوبة ولكن على أن تكون دولة "مستقلة " على الطريقة "العربية " وعلى المقاس الغربي الإسرائيلي ، بحيث تكون مجردة من كل مكونات الدولة ومستلزماتها ، فهي مجردة من السلاح ، ولا جيش لها ، بل شرطة قمعية مجهزة بالهراوات والدروع ، وهذا يكون كافيا بحيث أن الشرطي الفلسطيني لا يستطيع حتى على الدفاع عن نفسه ، وترتبط بمعاهدات أمنية ، مع إسرائيل على الطريقة الأمريكية المقترحة مع العراق ، والتي هي كائنة شئنا أم أبينا شاء الشعب العراقي أم أبى. وهكذا تكون "الدولة" الفلسطينية سياجا أمنيا لإسرائيل، بحيث تعيش عندئذ إسرائيل آمنة مطمئنة، بعد أن أمنت حدودها مع مصر من ناحية سيناء التي باتت اليوم منزوعة السلاح، وهم أي الأمريكيون، ولا أقول الصهاينة، يحسبون للتمردات الشعبية الفلسطينية مستقبلا على سلطتهم أو حكومتهم، كل حساب، وهذا أيضا يدخل في عمق إستراتيجيتهم بحيث أن هذه "الدولة" لن تشهد استقرارا في المستقبل، وهذا أيضا داخل في إستراتيجية، ما بات يعرف هذه الأيام بالفوضى الخلاقة، و"الدولة" الفلسطينية "المسخ" سوف تكون لا مجردة من السلاح فقط، بل حتى من الخبز، بحيث تمنع من أي محاولة إنمائية تصنيعية، ألم تجر العادة على أنهم هم الذين يصنعون ونحن الآكلون؟ وتكون عالة على بعض المساعدات بحيث تقطع هذه المساعدات، عند اللزوم، في إطار حصار تعودنا عليه بعد أن كانت ألسنة الماضية بالنسبة لأهل غزة بمثابة "دورة" تدريبية على ذلك، وتهديد من نوع آخر كلما لاحت في الأفق بوادر محاولات للتغيير أو التمرد على الواقع المفروض صهيونيا وأمريكيا وربما "عربيا"، على الدولة المقترحة، وأخيرا أعود للقول: ليتنا نستطيع أن نسمي الأشياء بمسمياتها، لكان في ذلك نوعا من التنفيس عن بعض الكرب، والكثير من الإضاءة حول حقيقة ما يجري في السر والعلن، وعلى جميع الأصعدة والمستويات، نعظكم لعلكم تعقلون والعاقبة للمتقين...