شكل الملتقى العربي الدولي حول نصرة الأسرى في سجون الاحتلال فرصة سانحة غير مسبوقة لفضح الجرائم الإسرائيلية بحق آلاف الفلسطينيين الذين يقبعون في زنزانات الاحتلال، وفرصة لتقريب الفصائل الفلسطينية، وأكد مجددا استماتة الجزائر في الدفاع عن القضايا العادلة في العالم، وفي رفضها المطلق لأي شكل من أشكال التطبيع مع الكيان العبري. الأسبوع المنصرم كان حافلا، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، بالأحداث الهامة على المستويين الوطني والدولي، ويبدو أن التسريبات المتواصلة لموقع ويكيليكس، رغم اعتقال صاحبه أسانج، بتهمة أخرى لا علاقة لها بقضية »الإسهال« المعلوماتي الذي أصاب فجأة الدبلوماسية الأمريكية وتمثيلياتها الدبلوماسية عبر مختلف أصقاع العالم، لم تضع حدا للزلزال الذي أصاب الدبلوماسية الأمريكية ووصلت ارتداداته إلى كل أرجاء المعمورة. فالمعلومات التي ينشرها الموقع المثير للجدل، خصوصا حول العلاقات العربية-العربية، وما يقوله بعض العرب سرا لواشنطن حول أشقائهم العرب، أصبحت تمثل هاجسا حقيقيا بالنسبة لجل الزعماء العرب، بما في ذلك النظام المغربي الذي تحاول وسائطه الدعائية التركيز على ما يسرّب حول الجزائر والبوليساريو لمسح آثار التسريبات التي تؤكد مجددا ثقافة الخيانة والعقلية التوسعية التي تسيطر على النظام المغربي. وتبدو الرسالة التي وجهها الرئيس الصحراوي والأمين العام لجبهة البوليساريو محمد عبد العزيز للعاهل المغربي محمد السادس، ذات مدلول عميق، فهي ترسم من جهة الخطوط العريضة للإستراتيجية التي تعتمدها الرباط في التعامل مع القضية الصحراوية، والقرارات التي تحضر لها الرباط فيما يتصل بمستقبل النزاع في الصحراء الغربية، على ضوء النتائج التي تمخضت عن مجزرة آكديم إيزيك، فما جاء على لسان الرئيس الصحراوي تراوح بين التحذير والنصح لنظام محمد السادس من مغبة الزج بجيشه المنهك نفسيا بفعل الدور المخزي الذي يؤديه أمام الشعب الصحراوي الأعزل، من مغبة التورط في مغامرة حرب ضد الصحراويين، خاصة بعد تسريب الرباط معلومات تقول بأنها تنوي ملاحقة الصحراويين، في حال نشوب مواجهات مسلحة، حتى داخل التراب الجزائري. لقد فضل النظام المغربي القيام بحرب نفسية ضد الجزائر للتغطية على جريمته بالعيون المحتلة، فراحت وسائطه الإعلامية والسياسية تروّج لاحتمال نشوب حرب بين البلدين، فيما زج بعض الساسة المغاربة بأنفسهم مجددا في التحامل على الجزائر التي اتهموها بالوقوف وراء ما يسمونها بالمؤامرات التي تحاك ضد الوحدة الترابية للمغرب، وحتى تصريحات وزيرة العدل الفرنسية السابقة، والعضو الحالي في البرلمان الأوربي، رشيدة داتي التي استبعدت نشوب حرب بين الجزائر بلد والدتها، والمغرب بلد والدها، تدخل ضمن إطار الحرب النفسية ضد الجزائر، علما أن داتي دافعت بشراسة عن الفاسي الفهري وهو يرافع لصالح الجريمة التي ارتكبتها قوات بلاده بحق الصحراويين العزّل بمخيم الحربة بالعيون المحتلة، وقد كان بإمكانها أن تنأى بنفسها عن جريمة لا تخدمها كمسؤولة في البرلمان الأوربي ولا حتى كمغربية أو فرنسية، وكان حري بها أن تحترم ولو بعض الدم الجزائري الذي يجري في عروقها ولا تقف في صف نظام قتل دون رحمة أو شفقة أكثر من 50 صحراويا بمخيم أكديم إيزيك بالعيون المحتلة. الحقيقة التي كان على المغاربة أو غيرهم إدراكها هو أن الجزائر لا تساوم على مواقفها المبدئية المناهضة للاستعمار، وكون المحتل هو الشقيق المغربي، لا يعني بتاتا بأن تتملص الجزائر من واجباتها التاريخية، وهي التي عانت الويلات بفعل الليل الاستعماري الطويل، ويبدو الملتقى العربي الدولي حول نصرة الأسرى في سجون الاحتلال الذي احتضنته الجزائر، بمبادرة من حزب جبهة التحرير الوطني، ليس مجرد لقاء لإيصال كلمة أسرى العالم، وأوّلهم الأسرى الفلسطينيين إلى العالم أجمع، وإنما أيضا فرصة لكشف معاناة الشعب الفلسطيني، والشعب العراقي، وكل المضطهدين في العالم الذين يعانون في سجون الاحتلال، وهو ما جعل اللجنة الوطنية العليا لنصرة الأسرى، تشيد بالتوصيات التي خرج بها ملتقى الجزائر، وبالجهود التي بذلها الحزب العتيد لإنجاح اللقاء، الذي شكل سانحة لتقريب وجهات النظر بين الأشقاء الفرقاء في فلسطين، وأعطى فرصة للجزائر لتؤكد مجدّدا على لسان الأمين العام للأفلان عبد العزيز بلخادم بأن الجزائر لن تقبل بأي شكل من أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني. إصرار الجزائر على رفض الاستعمار كممارسة وكثقافة، ووقوفها الدائم مع حركات التحرر، هو الذي يجعلها تتمسك بحقها في المطالبة بضرورة أن تعترف فرنسا بجرمها في الجزائر، وأن تعتذر للجزائريين عما اقترفته من جرائم بحقهم حتى تترسخ علاقات جديدة بين الجزائر وباريس. علاقة تطوى فيها صفحة التاريخ، ما جعل القيادي في الحزب الاشتراكي الفرنسي فرنسوا هولند، يؤكد خلال الندوة الصحفية التي نشطها رفقة أمين عام جبهة التحرير الوطني، عبد العزيز بلخادم، بأنه يلتزم صراحة بتجريم الاستعمار في حال اعتلائه الحكم، ودفع بأمين عام الأفلان إلى التأكيد مجددا بأن العلاقات الجزائرية الفرنسية مرهونة باعتراف باريس بجرائمها، ويعتبر هذا الجواب رسالة أخرى موجّهة صوب باريس مفادها بأن أي حديث عن ترقية العلاقات بين البلدين، أو عن الصداقة وما إلى ذلك من العبارات الحساسة التي تبعث بها فرنسا من حين لآخر صوب الجزائر، لا جدوى منها، ما لم تعترف باريس بالجرم الاستعماري وتعتذر عنه للشعب الجزائري. وما من شك أن الاحتفالات المخلدة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان قد شكلت سانحة لتقييم واقع حقوق الإنسان في الجزائر والإجابة على مختلف الإشكاليات المرتبطة بهذا الملف، وكان رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان فاروق قسنطيني تناول خلال ندوة حول الموضوع نهاية الأسبوع المنصرم، الجهود الكبيرة التي تقوم بها الدولة من أجل تحسين الحالة الاجتماعي للمواطنين، والتحسن الكبير الذي عرفته حقوق الإنسان، خاصة حقوق المساجين، ووضعية المرأة، وإن ألح قسنطيني على ضرورة اتخاذ تدابير قانونية جديدة صارمة لتحسين حقوق المرأة وحمايتها أكثر خاصة من العنف الممارس في حقها، وحرية التعبير، على ضوء تراجع المتابعات القضائية بحق حملة الأقلام واتساع آفاق التعبير الحر أمامهم، لكن هذا لم يمنع قسنطيني من أن يسجل العديد من النقائص التي لا تزال موجودة، منها تجاوزات على مستوى مراكز الشرطة، وأكد بأن »بعض أعوان الشرطة يستعملون العنف الجسدي والسيكولوجي ضد المشكوك فيهم أثناء الاستنطاق«، مضيفا بأن اللجنة ستقترح وضع كاميرات على مستوى هذه المراكز لوضع حد نهائي لهذه التجاوزات، أو ما تعلق بالمشاكل الكثيرة التي يواجهها خاصة الشباب بفعل البطالة والتهميش اللذان يدفعان بالشباب إلى »الحرقة« طمعا في الوصول إلى »جنة أوروبا« أو بالأحرى مقابر المتوسط التي التهمت العشرات من الشباب اليائس. وتعتبر الزيارة التي قام بها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة إلى ألمانيا خطوة عملاقة نحو ترسيخ العلاقات الاقتصادية المتينة التي تجمع بين الجزائروألمانيا، وتعكس الاتفاقيات، التي تم التوقيع عليها بين بوتفليقة وميركل، خاصة في مجال الطاقة المتجددة، والإعلان رسميا عن إنشاء اللجنة المشتركة الجزائرية الألمانية للتعاون، الرغبة الكبيرة في السمو بالعلاقات بين البلدين إلى مستويات أكبر، خاصة في ظل السعي الجزائري لتنويع شركائها في أوروبا وغيرها، وتوسيع مجالات الاستثمار الخارجي، علما أن الاستثمارات الألمانية في الجزائر معروفة وهي موجهة أساسا إلى قطاعات حساسة وقطاعات بإمكانها نقل التكنولوجيا خلافا ربما للاستثمارات الفرنسية والأمريكية التي تتركز أساسا على قطاع البتروكمياويات.