فرضت الامتدادات الإقليمية للملف الأمني، وتوسع ظاهرة الإرهاب مع تزايد نشاط تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي بمنطقة الساحل والصحراء، مقاربات جديدة في تناول الملف الأمني سنة 2010. مقاربات أعطت أولوية أكبر للبعد الدولي لظاهرة الإرهاب، دون إغفال استمرار المواجهة الداخلية مع المجموعات المسلحة، سواء من خلال العمل الميداني أو عبر إعمال أدوات السلم والمصالحة أو معالجة مخلفات المأساة الوطنية. تناول الملف الأمني من زاوية التقييم أو من خلال السياسات المتابعة خلال 2010، يقتضي أولا الإشارة إلى صعوبة إعطاء إحصائيات دقيقة حول عدد العمليات الأمنية أو الاعتداءات الإرهابية، ناهيك عن الأرقام المرتبطة بالخسائر البشرية والمادية، لكن هذا لا يمنع من التركيز على السياسة الأمنية أو الإستراتيجية التي تم اعتمادها، لأن ذلك قد يكون كافيا لرسم صورة تقريبية عن الوضع الأمني في كل تجلياته الداخلية أو الإقليمية المرتبطة بتهديدات القاعدة بمنطقة الساحل والصحراء. المتتبعون للملف الأمني يجمعون على وجود التحسن الكبير في الوضع داخليا، وهذا التحسن هو حقيقة ملموسة لا تمت بأي صلة للدعاية المضادة التي تطورها الدولة في إطار حرب مشروعة ضد الدعاية التي تبثها القنوات » الجهادية« التابعة للقاعدة الأم، وبطبيعة الحال فإن المقاربات المعتمدة لقياس هذا التحسن هو حساب عدد العمليات التي تنفذها المجموعات المسلحة، وعدد الضحايا الذين تخلفهم هذه العمليات، فضلا عن الخسائر المادية، وهناك أيضا جانب الاعتداءات النوعية، خاصة لما يتم ضرب أهداف حيوية كالمقرات الأمنية داخل المدن أو خارجها، أو استهداف مصالح أجنبية وتنفيذ عمليات ضد الرعايا الأجانب. ويبدو أن النجاح المحقق في الميدان، أو في إطار المسار السلمي، الذي تواصل خلال سنة 2010، هو الذي جعل التجربة الجزائرية في مكافحة الإرهاب تتحول إلى نموذج على المستوى الإقليمي والدولي، بحيث سمحت بإضعاف أخطر أنواع النشاط المسلح، فما حصل في الجزائر منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، وعدد الأشخاص الذين تورطوا في النشاط المسلح، )حوالي 26 ألف شخص(، حسب الفريق محمد العماري القائد السابق لهيئة أركان الجيش، يكشف طبيعة تعقيدات الملف الأمني في الجزائر. إنجازات أمنية وبقايا الإرهاب تحت الحصار.. لم تتغير الإستراتيجية المعتمدة من قبل السلطات في التعاطي مع الملف الأمني في 2010 مقارنة بما كان موجودا خلال السنوات التي تلت تبني قانون الوئام المدني ووصول الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى سدة الحكم. وتتمثل هذا الإستراتيجية في المقاربة المزدوجة في معالجة الملف الأمني، أي مواصلة المكافحة الميدانية للإرهاب وبنفس الإصرار والعزيمة في إطار القوانين وضوابط حقوق الإنسان، وترك أبواب التوبة مشرّعة أمام المسلّحين الراغبين في التخلي عن النشاط المسلح، والاستفادة من إجراءات ميثاق السلم والمصالحة، من دون التشبث بالجانب القانوني المضبوط، كما هو معروف، بآجال انتهت منذ سنوات. وسمحت هذه الإستراتيجية من مواصلة تحقيق نتائج جد ايجابية في الواقع، فتراجعت الاعتداءات التي تقوم بها زمر تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي في كامل جهات الوطن، حتى وإن تمكّنت الجماعات المسلّحة من تنفيذ عملياتها من حين لآخر، خصوصا بمنطقة القبائل وشرق العاصمة، وهي مناطق لا تزال تشهد نشاطا متوسطا للزمر الإرهابية، بفعل التضاريس الوعرة، التي سمحت لما تبقى من العناصر الإرهابية من تحصين نفسها في معاقل تنطلق منها لتنفيذ اعتداءات تستهدف قوات الأمن عبر الكمائن والتفجيرات. وهناك من جهة أخرى التراجع في حدة الدعاية التي يلجأ إليها تنظيم عبد الملك درودكال، خاصة من خلال تصوير الاعتداءات ومنفذيها وإعادة بث الصور عبر الفضائيات للرفع من معنويات عناصره، ولتأكيد وجوده على المستوى الدولي، ومواجهة الدعاية الرسمية التي تتحدث عن بقايا الإرهاب أو عن تضعضع قوة تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي الذي أصبح، كما هو معروف، يستعمل نفس أساليب القاعدة الأم، في الاعتداءات المسلحة أو الدعاية.