قد يكون الخروج من الباب العريض بأوسمة استحقاق وقد يكون من النافذة أو من الباب الضيق الذي لا يصلح إلا للفاشلين والمهزومين• عاد أويحيى للمرة الثالثة وسيحل ذات يوم، ذهب بلخادم وقبله بن فليس، بن بيتور وحمداني وغيرهم من رؤساء الحكومات الذين منهم من طواهم النسيان ومنهم من تحتفظ بهم القلوب! وقد كان عبد العزيز بلخادم واعيا بهذه الحقيقة، ففي لحظة تعيينه رئيسا للحكومة تحدث بلغة الواثق بأن هناك من سيأتي بعده، وفي تقديري فإن تلك القناعة تعكس شخصية الرجل، الذي لا يرى في المسؤولية تشريفا ولا مجرد لقب جديد يضاف إلى سجل الألقاب• إن بلخادم يستظل بالحكمة التي تقول:"لو دامت لغيرك ما وصلت إليك"، وإذا كانت المسؤولية تأتي نتيجة جدارة، وقد تفرضها ظروف وأحكام وتوازنات، وقد تكون الصدفة أو "ضربة حظ" هي التي تفتح الأبواب والنوافذ، فإن الخروج منها - وهو آت بلا شك- هو الذي يستلزم التفكير جيدا، إذ قد يكون الخروج من الباب العريض بأوسمة استحقاق وقد يكون من النافذة أو من الباب الضيق الذي لا يصلح إلا للفاشلين والمهزومين• لا نحتاج إلى جهد أو طاقة تفكير للوقوف على ما زرعته حكومات وما اقترفته حكومات، وها هو أحمد أويحيى يعود، وبالتأكيد فللرجل ما له وما عليه، ولسنا هنا في وارد المحاسبة أو إطلاق الأحكام، ولكن للتأكيد بأن المسؤولية ثقيلة وهي تقتضي من الحكومة أن ترى وتسمع وتستجيب بالفعل الملموس وليس بالأرقام الصماء التي تنتهي عادة بأرقام خرساء• إن ذهاب أي شخصية من هذا المنصب أو ذاك، لا يعني إنقاصا من قيمتها أو مساسا بمكانتها، فكل الزعماء يأتون ويذهبون، والدولة وحدها هي الباقية• والمؤكد أن التوازنات هي التي تحكم قاعدة المجيء والذهاب، هي التي تجيب عن الأسئلة المطروحة: لماذا رحل بلخادم ولماذا عاد أويحيى؟ والأمر الواضح هو أن التوازنات القائمة تؤكد أن التعديل الدستوري قد أصبح محسوما، بعد أشهر من الجدل والتكهنات والتساؤلات حول: هل يقدم الرئيس بوتفليقة على تعديل الدستور الحالي أم لا؟ أما الحقيقة البارزة التي يؤكدها التعديل الحكومي الأخير فهي أن الحكومة هي حكومة الرئيس حتى ولو كانت برئاسة أويحيى• لقد عاد سي أحمد، وهو الذي يعرف المداخل والمخارج، وقد قال يوما"أنا جئت وذهبت، أعرف طريق المغادرة وطريق العودة" وعليه أن يدرك، وهو الموصوف بأنه رجل الملفات، أن الجزائر ليست ملفات وأرقاما وتسويقا للوعود والآمال، كما أن تجاهل "جراح" الشعب لن ينتج عنه إلا المزيد من النزيف والآلام• سبق لرئيس الحكومة أن بشرنا بالخير في أكثر من مناسبة، لكن الحاصل أن الخير ظل حبيس الأرقام، ونرجو مخلصين أن تكون "البشارة" هذه المرة صادقة وحقيقية•• اللهم آمين• إن سي أحمد وهو يعتلي كرسي الرئاسة في قصر الحكيم سعدان للمرة الثالثة، يعلم جيدا أن المنصب لا يدوم وأن رؤساء الحكومات الذين تعاقبوا على القصر، منهم تحتفظ بهم الذاكرة ومنهم من غاب عن كل ذكر• أما تلك الأقلام الدامية، التي انتشت حد الثمالة، بعد رحيل بلخادم وعودة أويحيى، فإننا لا نعيب عليها "الفرحة" بل نعيب عليها ممارسة ذلك الخداع الذي تحاول من خلاله إيهام الرأي العام بأن الأمر يتعلق بصراع بين رمز وفكر الديمقراطية والعصرنة الذي يمثله أحمد أويحيى ورمز وفكر التخلف والأصولية الذي يمثله عبد العزيز بلخادم! أليس ذلك التصنيف دلالة قاطعة على أن تلك الأقلام قد أصابها العمى فهي لا تبصر• هنا أتذكر ذلك الرسم الكاريكاتوري الذي تصدر، قبل عامين، الصفحة الأولى لإحدى الصحف الجزائرية التي حملت عنوانا رئيسيا "بلخادم يخلف أويحيى" وقد عمد الرسام إلى رسم شخص يثبت على جدار لوحة كتب عليها "مخمرة الرفاق" وعلى جانب الصورة شخص يصيح: توقف، ضع هذه اللوحة مكانها، وتحمل عبارة "ملبنة الإخوة تمر ولبن"! إن الفرق بين الخمر والتمر لا يخفى إلا على المخمورين، الذين فقدوا العقل والبصيرة، وهذا ما يتجلى في تلك الكتابات الموتورة، التي تؤكد أن أصحابها سكارى• إن من حق رئيس الجمهورية أن يختار من يراه مناسبا وبالطريقة التي يراها مناسبة، ولا يجهل دواعي عودة أويحيى في هذا الظرف بالذات إلا الجهلة والحمقى• ومن الطبيعي أن يؤدي تغيير رئيس الحكومة إلى ردود فعل لدى أهل السياسة والصحافة، بحكم التحالفات القائمة، علنية كانت أو سرية لكن كل ذلك ينبغي أن يكون ضمن حدود منطق الممارسة السياسية، لكن أن ينغمس "السكارى" في ثمالتهم لأن بلخادم رحل عن رئاسة الحكومة، هو الموسوم بأنه محافظ وأصولي!، فذلك هو عين التفاهة التي تختصر فكرا جادا وعقما في التحليل وعمي في الرؤية• في كل مناسبة ودونما مناسبة لا تفتأ تلك الأقلام الناطقة باسم أقلية مهجورة، تذكرنا بأنها لم تغير مواقفها وأنها حبيسة أحكامها المؤدجلة، بما يوحي أن المشكلة تكمن في لحية ولباس بلخادم، في حين يعلم الجميع أن التحديات المفروضة على بلادنا أكبر بكثير من هذه الشكليات ومن تلك الأفكار البائدة التي تؤكد إفلاس أصحابها وعجزهم عن تقييم السياسات والرجال• إن ما يهم الجزائريين هو ماذا سيفعل حكامهم؟•• هذا هو السؤال الذي تستجيب عنه رئيس الحكومة الجديد، الذي نتمنى له التوفيق من أجل الجزائر• أحلى الكلام كتب إليها يقول: تعلمين، سيدة الحب الكبير، أن عمري قد بدأ يوم عرفتك، يوم تمشقت عينيك، يوم أن أصبحت شمس حياتي تشرق من أجلك وتغيب من أجلك، فإذا أنت حياتي وجنتي وحبي الذي لن يرحل• تذكرين، وقد سألتك ذات يوم: هل سيطاوعك قلبك على الرحيل، كان بريق الحب الذي تلمع به عيناك هو عهد منك ومني على الوفاء، على أن نبقى معا• أيا سيدة أقداري، لو تدركين، كم بحثت عنك، كم أضناني الشوق إلى عينيك•• لو تعلمين أني قبل حبك، قبل ميلادي الحقيقي، ما كنت شيئا، فأنت تاجي وقدري، صوتك يرافقني كيما أشعر بوجودي وأنت وجودي•• فيا ليتني أستطيع الوصول بحبي إلى مستواك، يا من أحبك وأحبك• أحبك•• لأنك فرحة العمر وعطر الزمان• أحبك•• لأني عشت لأجلك ولأني لن أعيش بعدك• أحبك•• لأنه ليس هناك شمس تضيء بغير هواك وليس هناك حب يدنو من قلبي بعدك، يا حبيبة عمري وحبي الجميل• ليس لي سواك، أنا المجنون بك وحدك، أنت التي تمطرين حبا وتفيضين حنانا حين تتكلمين، حين تصمتين وحين تبتسمين•• كل ما فيك يدعوني إليك، يا قلب القلب وروح الروح• أيا سيدة قلبي•• يحدث كثيرا أن أشتاق إلى كلمات لم تنطق بها شفتاك وكأني أقرأها في ومضات عينيك ونبضات قلبك•• فهل رأيت حبا يسمو فوق كل حب، إنه حبي لك، يا سيدة أخلاقي• لك الشكر، أيتها الأميرة الجميلة، فمنك تعلمت كيف يكون كلامي على مستواك، أنا الذي أتباهى بك، يا من بك وحدك يتألق الحب• كل يوم وأنت حبيبتي ونبض قلبي•• كل يوم وأنت كل الحب يا أجمل حب "من ذا يعضّ الكلب إذا عضّ••"