تختلف الجزائر جذريا مع طروحات بعض الدول بخصوص ما يسمى »الربيع العربي« وهي القضايا التي تختلف فيها أيضا مع السعودية، لكن العلاقات بين الجزائر وباريس لم تتأزم، وعندما زار وزير خارجية فرنسا بلادنا شهر مارس الماضي، قال إن بلاده تحتل المرتبة الأولى في التبادل التجاري مع الجزائر وأنه توجد بها 800 شركة فرنسية، لكن حجم التبادل التجاري بين الجزائر والسعودية يقدر ب 300 مليون دولار وربما لا يساوي استثمار شركة فرنسية واحدة في بلادنا. كذلك تختلف الجزائر مع الولاياتالمتحدة بخصوص العديد من القضايا، ولم تصل العلاقات إلى درجة تأزم. فلماذا يؤدي الاختلاف حول هذه القضية أو تلك بين الجزائر والسعودية إلى أزمة في العلاقات الثنائية سياسيا واقتصاديا؟ عندما قال الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في رسالة للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز بأنه يسهر شخصيا على صون العلاقات الجزائرية السعودية رغم محاولات الماكرين، فهذا يعني أن هناك من يدفع في اتجاه تأزيم العلاقات مع هذا البلد الشقيق، سواء أكانت دولا أو جماعات ضغط داخلية أو خارجية. وعندما قال الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في رسالته إن مواقف الجزائر تجاه بعض القضايا العربية الساخنة ليست موجهة ضد أشقائها العرب، وأن هذا فهم خطأ، معنى هذا أن هناك شيئا ما يجعل علاقات البلدين ليس بالصورة المطلوبة. الجزائر وسياسة تصفير المشاكل في العلاقات الدولية عندما سارع الرئيس بوتفليقة بإيفاد مستشاره السيد بلعيز إلى العاهل السعودي وتسليمه رسالة ودعوة لزيارة الجزائر في أقرب وقت ممكن، فهذا يعني أنه سارع لتطويق ما يمكن أن يعكر صفو العلاقات بين البلدين وإعادة الدفء والتفاهم بينهما، بانتهاج سياسة "تصفير المشاكل" مع الشركاء والأشقاء. وهذا التوجه السياسي والدبلوماسي ليس جديدا بالنسبة للجزائر، خاصة منذ عام 1999، تاريخ وصول الرئيس بوتفليقة إلى الحكم، حيث قام بإعادة العلاقات الدبلوماسية التي كانت مقطوعة مع بعض البلدان العربية والإسلامية في أول لقاءاته مع قادة هذه الدول، على هامش أول جمعية عامة للأمم المتحدة شارك فيها كرئيس، رغم أن الجزائر اتهمت بشكل رسمي كلا من طهران والخرطوم بدعم وتمويل وتدريب الجماعات الإرهابية في بلادنا. لقد رافع الرئيس بوتفليقة، منذ توليه منصب الرئاسة عام 1999، من أجل ما أسماه العروبة أي تعزيز التعاون العربي- العربي لمواجهة العولمة، وفي عهده تعززت العلاقات السياسية مع العالم العربي. إن الاختلاف في الرأي أو التوجه شيء طبيعي بين الدول، ذلك أن لكل دولة سياستها ومبادئها وأهدافها ومصالحها وإيديولوجيتها، لكن ذلك لا ينبغي أن يؤدي إلى توتر العلاقات الثنائية، خاصة بين الأشقاء، الذي يمثلون ثقلا استراتيجيا، ويصدق ذلك على الجزائر والسعودية، حيث أنه محكوم عليهما إقامة علاقات متميزة وتعاون يرتكز على المنافع المشتركة، وبما يخدم قضايا الأمة العربية والإسلامية. لقد أصبح الحديث عن توتر العلاقات الجزائرية السعودية حديثا إعلاميا أكثر منه دبلوماسيا، حيث أن كلا منهما ينفي وجود أزمة في العلاقات، لكنهما لا يستطيعان إخفاء حدة التباين في المواقف تجاه الوضع العربي الراهن، لكن حدة التباين تضر بمصالح كل دولة وهو الأمر الذي يؤدي إلى أزمة في العلاقات رغم محاولات الدبلوماسية تلطيفها والتقليل من حدتها. الرياض تشعر أن الجزائر تخندقت ضدها مع طهران اختلفت الرؤى بين الجزائر والسعودية في مواقف عديدة، بفعل تمسك الجزائر بما يسميه الرئيس بوتفليقة في رسالته لخادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز بالموروث السياسي للجزائر القائم على جملة من المبادئ أهمها: - عدم التدخل في الشأن الداخلي للدول - عدم اللجوء إلى العنف لحل الأزمات السياسية لأن العنف يولد عنفا أكبر منه - إيجاد حلول سياسية للأزمات باستخدام الحوار بين مختلف الأطراف - رفض التدخل الأجنبي خاصة العسكري في شؤون الدول - رفض مشاركة الجيش الجزائري في عمليات خارج التراب الوطني - العمل على إيجاد حلول في إطار القانون الدولي والأمم المتحدة ومجلس الأمن وبناء على هذه المبادئ، تحفظت الجزائر على موقف الجامعة العربية من نظام معمر القذافي، والتاريخ أنصف الموقف الجزائري، وتحفظت أيضا على موقف الجامعة العربية من نظام بشار الأسد، كما تحفظت على موقف المجموعة العربية من حزب الله اللبناني، بعد تصنيفه تنظيما إرهابيا، ورفضت الجزائر المشاركة في عاصفة الحزم في اليمن، ولاحقا رفضت المشاركة في التحالف العربي الإسلامي لمحاربة الإرهاب الذي تقوده السعودية، هذه الأمور تكون السعودية قد استقبلتها بعدم الارتياح والشعور بأن الجزائر تقف في المحور الإيراني السوري، الذي يعني حسب فهمها معارضة المملكة العربية السعودية. وبالمقابل تكون الجزائر قد استقبلت بعدم الارتياح والشعور أن المملكة العربية السعودية تستهدفها بسياساتها الخارجية والاقتصادية المختلفة، على غرار عدم لعب دور جدي لمنع تدهور أسعار النفط الذي يمثل في الوقت الراهن مسألة حياة أو موت بالنسبة للاقتصاد الجزائري المعتمد بنسبة 98 بالمائة على النفط. وتكون الجزائر قد استقبلت بعدم الارتياح، دعوة مجلس التعاون الخليجي المملكة المغربية للانضمام إليه، وتكون أيضا استقبلت بعدم الارتياح إعلان السعودية استعدادها للقيام باستثمارات في الصحراء الغربية على اعتبار أن الصحراء الغربية مسجلة في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة على أنها قضية تصفية استعمار. وحسب الصحف الجزائرية فقد واجهت الجزائر صعوبات وعراقيل من السعودية خلال إجلاء رعاياها من اليمن بعد انطلاق عاصفة الحزم. وتحمل عدة وسائل إعلام جزائرية السعودية ودول الخليج مسؤولية الوقوف وراء الربيع العربي، ووراء تمويل بعض الجماعات الإرهابية من بينها داعش. وهكذا تبدو، على الصعيد الإعلامي على الأقل، كل من الرياضوالجزائر على طرفي نقيض. رسائل الأمل لتصحيح مسارات سياسية خاطئة حسب كثير من المحللين، فإن الأنظمة العربية في مجملها تمارس سياسة ارتجالية وعشوائية متسرعة وغير مدروسة تجاه بعض القضايا، وهي التي أوصلت العالم العربي إلى الوضع الكارثي الذي يعيشه الآن، فالسعودية لم تعد تحتمل سياسة الحصار الطائفي الشيعي التي تمارسها إيران مصحوبة بالتدخل السافر في شؤون دول المنطقة على غرار البحرين واليمن والكويت وحتى في المنطقة الشرقية في المملكة، ولم تعد تحتمل مشاهدة العراق المؤسس للجامعة العربية يتحول إلى ولاية إيرانية، ولم تعد تحتمل رؤية إيران جارة نووية خطيرة على مستقبلها، ولم تعد تحتمل انتقادات حزب الله العلانية عبر منابره الإعلامية لقادة المملكة وعلمائها وإيديولوجيتها، ربما كل هذه الأمور هي التي جعلت السعودية ترتبك أحيانا في سياستها الخارجية. وهذا ما يجعل إعادة الدفء وتصفير العلاقات مع الجزائر مهمة للغاية بالنسبة للرياض، على أمل أن تلعب الدبلوماسية الجزائرية دورا في تليين مواقف طهران تجاه دول المنطقة وفي قضايا أسعار النفط وفي فتح قنوات تواصل مع نظام الأسد وربما لعب دور في اليمن، لأن الحرب ليست نزهة فهي مستنزفة للمال خاصة في ظل تراجع أسعار النفط. لقد أرسلت الجزائر أكثر من مرة مؤشرات على عدم رغبتها في المساس بالسعودية، من بينها معارضة الطرح الإيراني فيما يعرف بقضية حج 2015، والتأكيد على ضرورة الاستخدام السلمي للطاقة النووية، وجعل منطقة الشرق الأوسط منزوعة السلاح نوويا، وهو الأمر الذي يشمل إسرائيل وإيران معا. واعتبرت إعدام رجل الدين الشيعي السعودي النمر شأنا سعوديا داخليا، في اتجاه متعارض مع مواقف طهران. كما أن الجزائر بحاجة للمملكة العربية السعودية في الضغط على المملكة المغربية وهي حليفها الإستراتيجي في منطقة المغرب العربي لوقف تهجماتها على الجزائر ووقف حرب المخدرات المعلنة عليها، وربما حتى الإسهام في إيجاد حل عادل للقضية الصحراوية، إلى جانب لعب دور إيجابي في دعم استقرار ليبيا ووحدتها التاريخية، فضلا عن تونس ومالي، وهي الحدود الملتهبة التي تؤرق الدولة الجزائرية، إلى جانب تحقيق بعض الاستثمارات في الجزائر. إن رسالة الرئيس بوتفليقة للعاهل السعودي جاءت في الوقت المناسب، لقد حان الأوان لكي تفهم كل دولة حقيقة مواقف الدولة الأخرى، وأن تساعد كل دولة الدولة الأخرى لتجاوز صعوباتها، فليس خفيا أن العالم العربي يعيش مرحلة سايكس بيكو الثانية، المتمثلة في إعادة تقسيم الوطن العربي إلى كيانات سياسية وطائفية ولن تنجو من هذه السياسة أي دولة عربية، إذا لم تتم مواجهتها بالقوة اللازمة.