لا يخفى مسئولون سعوديون فى أحاديثهم الخاصة تململهم من السياسة الخارجية للجزائر، إذ تشعر المملكة أن واحدة من أكبر الدول العربية تعمل في إطار ما يمكن وصفه ب"المشروع الإيرانى". أكثر من "ضربة دبلوماسية" تلقتها المملكة من الجزائر، بدأت بالخلاف بين البلدين في طريقة التعاطي مع الأزمة في سوريا، وتواصلت بمواقف جزائرية رافضة لخطوات الرياض خصوصًا في اليمن، وانتهت بقمة جمعت قادة الخليج مع العاهل المغربي، الملك محمد السادس، بالرياض، وبيانها الختامي. كان الموقف من "عاصفة الحزم" التي شنتها السعودية بالتعاون مع دول عربية أخرى ضد المتمردين الحوثيين في اليمن، أول "خطوة خشنة" اتخذتها الجزائر ضد الرياض. رفضت حكومة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة دعم العملية سياسيًا أو عسكريًا، بل وقفت على النقيض تمامًا برفض أي تدخل عسكري، ودعوتها إلى حل سياسي يدمج "الحوثيين" في المعادلة السياسية بصنعاء. تمددت كتلة الجليد برفض الجزائر قرار مجلسي التعاون الخليجي ووزراء الداخلية العرب والجامعة العربية تصنيف حزب الله اللبناني "منظمة إرهابية". يوم صدور القرار خرج وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، مؤكدًا تحفظ بلاده على قرار تصنيف حزب الله "منظمة إرهابية"، وقال: "إن المسألة شأن داخلي لبناني، ولبنان في حاجة إلى دعم عربى لتجاوز ظروفه السياسية والإقليمية، بدل الانحياز لطرف على حساب آخر". ثم إن الجزائر لم تشترك في "التحالف العسكري الإسلامي لمحاربة الإرهاب" الذي أعلنته الرياض (يضم 34 دولة عربية وإسلامية)، برغم كونها دولة لها ثقل كبير في محاربة الإرهاب. وترفض الجزائر أن تشارك بجيشها في تحالفات عربية أو إقليمية أو دولية التزاما بدستورها الذي ينص على عدم انخراط الجيش الجزائري في أي مهام قتالية خارج الحدود، مما شكّل عقيدة راسخة في السياسة الخارجية، مفادها عدم السماح بخروج قوات مقاتلة جزائرية خارج الوطن، وكان الاستثناء الوحيد في حربي 67 و73. بل إنها اتخذت قرارًا بتعليق تعاونها العسكري والأمني مع جارتها موريتانيا بسبب انضمام الأخيرة للتحالف. وقد تزامن الغياب الجزائري عن "التحالف الإسلامى" مع زيارة النائب الأول للرئيس الإيرانى، إسحاق جهانغيرى، للجزائر، ولقائه مع مسئولين بارزين بينهم الرئيس بوتفليقة. سعت السعودية لاحتواء الخلافات السياسية مع الجزائر برفع وتيرة زيارة مسئوليها الكبار إليها، حيث زار وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، الجزائر نهاية ديسمبر الماضي، دون أي نتائج إيجابية. بعدها زار ولى العهد السعودي، محمد بن نايف، الجزائر، والتقى الرئيس بوتفليقة، لبحث تطوير العلاقات، غير أنه لم ينجح أيضًا – كما يبدو – فى امتصاص الأزمة. بدت الجزائر مصرة على سياستها التى تتناغم مع المواقف الروسية الإيرانية تجاه قضايا الشرق الأوسط. .. ما الذي حدث بعد ذلك؟ ردت الرياض بعنف على المواقف الجزائرية من سوريا، وعاصفة الحزم، والتحالف الإسلامى العسكرى في 20 أفريل الماضي. يومها انعقدت القمة الخليجية المغربية في الرياض، برئاسة العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز، وحضور العاهل المغربي، الملك محمد السادس، حيث خرجت ببيان ختامي جدد فيه قادة دول مجلس التعاون الخليجى موقفهم المبدئى من أن قضية "الصحراء" هي أيضًا قضية دول المجلس، مؤكدين دعمهم للمغرب ومساندتهم لمبادرة الحكم الذاتي، وفق نص البيان. وصلت رسالة القمة الخليجية المغربية إلى الجزائر، فكان الرد بإيفاد وزير الشئون المغاربية والاتحاد الإفريقى وجامعة الدول العربية الجزائري، عبد القادر مساهل، إلى العاصمة السورية دمشق، لإعلان تضامن بلاده مع النظام السوري، وتأكيدها أن الحوار هو الآلية الوحيدة لحل الأزمة. كانت هذه الزيارة التي كسرت الحظر العربي المفروض على سوريا هي الأولى من نوعها لمسئول حكومة جزائري منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، حيث تعد الجزائر من الدول العربية القليلة التي لم تقطع علاقاتها مع نظام دمشق. وقتها التفت إلى تعليق للكاتب السعودي المقرب من دوائر الحكم فى الرياض، جمال خاشقجى، حول الزيارة ذكر فيه: "هل هذا هو الرد الجزائري على وقفة المملكة والخليج مع الحق المغربى في الصحراء ؟". وسبقت هذه الزيارة خطوة جزائرية أخرى تمثلت في استقبال وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، بدعوة رسمية من نظيره الجزائري، لتكسر بذلك أيضًا حاجز اقتصار زيارات الدبلوماسية السورية على الدول الحليفة وهى روسيا والصين وإيران وبدرجة أقل سلطنة عمان التي تعتبر "دولة محايدة" فى الأزمة السورية. ..البترول أيضًا كان سببًا أساسيًا في الخلاف بين السعودية والجزائر. يقول "القصير": "يُعتبر تراجع أسعار البترول واحدًا من مهددات السلم الاجتماعي في الجزائر، لكونه المصدر الأساسي للحفاظ على أمن المجتمع من الاضطراب من خلال دعم القدرة الشرائية للمجتمع". واتهمت تصريحات جزائرية رسمية المملكة العربية السعودية بالوقوف وراء تراجع أسعار البترول بشكل مباشر عبر إغراق السوق، في خطوة موجهة بالأساس ضد إيران. ولننظر إلى تصريحات للأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم في الجزائر، عمار سعداني، الذي هاجم صراحة السعودية، واتهمها بأن انخفاض أسعار النفط "مؤامرة من الغرب تنفذها السعودية بهدف تركيع 5 دول، هي الجزائروإيرانوروسيا ونيجيريا وفنزويلا".