بنظرته الثابتة وتركيزه الدقيق في الصور التي يرسمها بأنامله المبدعة، قابلناه في يوم مشمس جالسا في ساحة "أودان" بالعاصمة يتوسّط محلات بيع الألبسة والأحذية المتواجدة في ذات المكان، وهو يضع أمامه لوزام الرسم من أوراق بيضاء وأقلام متعددة، وجمع من الناس ملتفين حوله من أجل رسم صور خاصة لهم من ابداع يديه بعيدا عمّا عهدناه من صور فوتوغرافية. ضيفنا اليوم من يوميات مواطن "وقنوني مصطفى" ذو الواحد والخمسون سنة، قابلناه بساحة أودان بالعاصمة، حيث كان يجلس على رصيف أحد المحلات الخاصة ببيع الألبسة النسائية يفترش الأرض ويحمل بين يديه لوحة صغيرة فوقها أوراق بيضاء خاصة بالرسم، كانت ملامح التعب بادية على محياه وهو يهمّ برسم إحدى النسوة، وجمع غفير من الناس ملتفين حوله يستفسرونه عن عمله، أخذنا الفضول إليه فاقتربنا منه بهدف اكتشاف ابداع أنامل يديه الذهبيتين ونرى عن قرب رسوماته المتقنة المتعددة الأشكال والأحجام التي تبعث فيك نوعا من الخيال وتشدك الى إمعان النظر فيها من جديد مرة تلوى الأخرى دون ان يصيبك الملل. أهوى الرسم لأنه لغة نابعة من القلب استهل ضيفنا حديثه معنا عن تعلّقه بهذه الهواية الشيّقة، حيث قال " بدأت حكايتي مع الرسم منذ الصغر أين كنت أرسم كل ما تسقط عليه عيناي ويعجبني فكنت أبدع في رسم الألواح الزيتية وصور من الطبيعة وصور الأشخاص والرسوم الكرتونية وغيرها، ومع مرور الأيام كبرت وكبر معي تعلّقي بهذه الهواية، صقلت ذاتي وأصبح الرسم عالمي الخاص وملاذي الشيّق الذي أعبّر به عن همومي وأحزاني وأفراحي وأقراحي". في ذات السياق أضاف محدّثنا أنّ الرّسم مهنة نبيلة وهو انتاج إبداعي من وحي الانسان يعبّر به عن طموحاته وآماله وتطلّعاته للمستقبل، وفن الرسم هو إحدى الطرق للتعبير الذاتي التي يترجم فيها الرسام بريشته وأقلامه أحاسيسه وانفعالاته وانطباعاته اتجاه كل ما هو موجود حوله متخذا من اللون وسيلة رئيسية يدخل عبرها إلى عالمه الخيالي بعيدا عن ضجيج الحياة، وفي ذلك كلّه، يؤكّد محدثنا، لا يجدر بالرسام الماهر أن ينطلق في أعمالهِ الفنية من خيال الذهن أو مجرد الخيال أو من خلال الملاحظة فقط، وإنما عليه أن ينطلقَ من ذاته و يغوص في أعماقِ الواقع لأنه لغة نابعة من القلب، ويقدم برسوماته معاني جديدة للحياة كونه فن راقٍ يترجم لغة وأحاسيس القلب، ويجمع بين دقة التفكير وبعد النظر ورهافةِ الحس وجمال اللون أيضا. أما فيما يخص عمله، قال مصطفى إنه كان يعمل في السابق في احدى الجمعيات الخاصة بفنون الرسم وشارك من خلالها في بعض المعارض المحلية لكنه لم يتلق التحفيز والتأطير المناسب من خلالها، موضحا بذلك " التحقت في السابق ببعض الجمعيات التي تهتم بشؤون الفن، لكن صراحة لم أجد التحفيز من خلالها ففضلت مغادرتها والعمل بمفردي حتى أضمن الاستمرارية لهوايتي التي أعشقها حتى النخاع " وحاليا أعمل في هذا المكان منذ وقت طويل، حيث أتواجد صباح كل سبت في ساحة "أودان" ويأتي اليّ الزبائن من أماكن عديدة ومن كلا الجنسين من أجل طلب الخدمة ورسم صور خاصة بهم وهم يستحسنون هذه الفكرة. وبخصوص الأسعار قال محدثنا إن ثمن الصورة يتراوح بين 1000 دج و 2500 دج للصورة الواحدة، حيث أطلب في الصورة ذات اللونين الابيض والأسود 1000دج، أما الصورة الملوّنة فيصل سعرها الى 2500 دج، أي حسب الحجم والألوان المستعملة في الصورة كما أن أغلب زبائني من النساء لأن النسوة يعشقن الصور وكل ما يحمل الألوان. أما عن حياته اليومية وكيف يقضي باقي أيامه خلال الأسبوع فقال ضيفنا إنه يعمل عون نظافة بصفة يومية ما عدا نهاية الأسبوع، موضحا " أعيش بمفردي في أحد الاحياء ببلدية عين البنيان وأتحمل مسؤوليتي لوحدي لأنني مطلق بدون أولاد ولم أعد الزواج لحد الآن والحمد لله دخلي المادي أحصل عليه بعرق جبيني ولا أطلب الصدقة من أي أحد" صوت المواطن في ختام حديثه معنا قال " وقنوني مصطفى " أنه يأمل الالتحاق بإحدى المدارس المختصة في تلقين فن الرسم لأنني سئمت من العمل في الشارع دون أن يكون لي محل أو مكان آمن ألجأ إليه، كما أتعرّض في بعض الأحيان إلى مناوشات كلامية مع أفراد الشرطة الذين يطالبونني بمغادرة المكان.