تونس أيها الجار الحبيب والشقيق العزيز، يا من عشقك الجميع، وهاموا في جمالك حتى ثملوا في هواك وبهواك، فصرت قبلة لوجدانهم ومقصدا لحط رحالهم. جار، أي جار أنت، إنك ممن كاد أن يُوَرِّث ويُوَرَّث، إنك بمثابة الحسناء ذات الوجه الصبيح، والثغر المبتسم، صاحبة الأحضان الدافئة. يتعلق بك العشاق استئناسا بدماثة أهلك وطيب خاطر ناسك، وكرم الوفاء وحسن الاستقبال وجود الضيافة وغير ذلك مما يلقون في مختلف زواياك وشتى مناكبك. يهرع إليك من كل حدب وصوب ومن كل فج عميق ممن يحملون أوزار الحياة ومتاعب الأيام، ليتذوقوا طمأنينة ليس كمثلها طمأنينة، نعم الوجه الجميل في الوجود الذي لا يوجد في سواك ولا عنده، ومجال السرور والحبور إلا معك، والسعادة بالنسبة لزائريك لا تتجسد أحلامها الوردية، وتحقق في جنة الأولى، قبل تلك التي نرجوها في الدار الأخرى إلا في مرافقك. كان كل من يوجه وجهه شطرك، يريد أن يزهو في نعيمك بإيمان المؤمن أن طعم الحياة ما يودع المتاعب والمحن والإحن إلا تذوق حلاوة عسلك وعذب مائك، يتمتعون بجلال كسوتك الخضراء، وردائك العطر الفاخر والأزرق من سيوف سواحل ومشاطىء بحرك الأبيض الهادي الساكن. يحلون بك برا وجوا وبحرا، وهم يرومون التخلص من ثقل ما يكدر الصفو، وعبء انكماش النعم، وما يسرق من محياهم قهقهات البراءة الإنسانية، كيف لا وأنت من تستقبل الجميع ببشاشة الأخوة وأحضان الأمهات لفلذات الأكباد. كيف لا وكنا نعتقد أن كل شيء فيك فلّ وياسمين وعود عنبر ورياحين، تنثر طيب ريحها لينشر في النفس المكتئبة أريج الفرح والمرح فتهنأ بما ترسل من عطر يعيد للقلوب ربيعها، تنفخ في الأجساد المكلومة فتحييها بعد موات. تونس وأنت تمدين راحتيك اللطيفتين لطفا بالزائرين أو تلطفا لهم.. كيفما كان الحال وهم بين أحضانك كأنما هم أطفال أعادوهم إلى أحضان الآباء بعد حرمان وفطام، أو كأنما هم غرباء هتفوا باسمهم بعد طول غياب. وأنت التي كنت تكنين ما تظهرين في إكبار شريف من أجل أن لا يشعر ضيوفك ولا يحسون بسأم أو ألم أو نكد وهم في حمايتك. إنني أريدك الآن، ضيعة، خيمة، ربيعا صيفا خريفا شتاء، كيفما كنت، وكما تشائين، ترفلين من جديد بالحل والحلي، مطمئنة هادئة، أيتها الكون الهادىء أريد أن ألمس سعادتك بعيدا عن الأبواق الصاخبة والأصوات الناعقة، وضوضاء التطاحن المميت. إن السعادة سر، والسر خير له أن لا يذاع، وحلاوته في عدم انشطاره أو توزيعه بين الناس، ذلك أن قوته في عدم انقسامه أو تقسيمه، ولأن انشراح الصدر ونعيم رحباته في أن يسكن حيث يختار بإرادته أين سكن، وأين اصطفى أن يطيب له المقام، وتلك هي الطريق إلى السعادة - أيتها السعيدة تونس...!؟