تشهد الجبهة الاجتماعية منذ مطلع السنة الجارية، تململا واضحا على مستوى الشارع، تجسد في مختلف مظاهر الاحتجاج ذات الطابع العنيف مثلما هو الحال بالنسبة للأحداث الأخيرة أو حالات الانتحار حرقا أمام بعض الهيئات الرسمية، يحدث هذا رغم الإجراءات والتدابير التي اتخذتها الحكومة في المجال الاجتماعي، سواء تلك التي وصفت بالاستعجالية أو تلك التي تضمنتها مختلف البرامج المعلن عنها في شتى القطاعات... فما هي حقيقة الواقع الاجتماعي الجزائري؟ وهل أزمة البطالة والسكن والقدرة الشرائية هي بالحجم الذي تروج له المعارضة، أم أن الجبهة الاجتماعية ما هي إلا مدخل لحسابات سياسية تستلزم البحث عن أوراق لتوظيف الشارع؟. بالاستناد إلى الأرقام والإحصائيات الرسمية، تكون الحكومة قد خصصت في العقد الماضي، عشرات الملايير من الدولارات للتنمية الوطنية الشاملة تجاوزت 160 مليار دولار موزعة على برنامج الإنعاش الاقتصادي وبرنامج دعم النمو، فضلا عن برنامج تنمية الهضاب والجنوب، والهدف من هذه البرامج حسب نفس الخطاب، هو تحسين الوضع المعيشي للمواطن وتوفير مناصب الشغل والقضاء على البطالة وخلق الثروة خارج المحروقات، ومع الشروع في التجسيد والإنجاز، أعلنت الحكومة أن نسبة البطالة انخفضت إلى نحو 10 بالمائة مع نهاية 2010 بعدما كانت تلامس 25 بالمائة عام 1999. و تشير أرقام وزارة التشغيل والضمان الاجتماعي إلى أن أجهزة التشغيل المؤقت استفادت من العشر سنوات الماضية من مبلغ مالي إجمالي قدر ب 150 مليار دج. أما على صعيد دعم القدرة الشرائية، فقد اعتمدت الحكومة في السنوات الأخير زيادة في أجور العمال والموظفين، وأقرت الاستمرار في دعم أسعار المواد الغذائية واسعة الاستهلاك من حليب وخبز وسكر وزيت، رغم التقلبات التي شهدتها السوق الدولية، مستفيدة في ذلك من عائدات النفط التي لم يشهد لها مثيل في تاريخ البلد، وبخصوص السكن فقد عرف هذا القطاع نموا مزدهرا وتم إنجاز ملايين السكنات استفاد منها قاطنو الأحياء القصديرية والهشة وفئات أخرى من المجتمع، رغم التأخر في الإنجاز وعدم التقيد بالمدة الزمنية المحددة للبرامج، فأين يكمن الخلل؟. يعتقد المراقبون للوضع الاجتماعي أن الاحتقان الاجتماعي الذي يعيشه البلد ناجم عن تراكمات عشرية الإرهاب التي ما تزال تداعياتها قائمة إلى اليوم، فالإحساس بالقهر والإقصاء والتهميش لدى الفئات الكادحة من المجتمع، في الوقت الذي تزداد فيه مظاهر الثراء الفاحش والسريع للأقلية المحظوظة، خلق جوا من اللاثقة في الخطاب الرسمي، سيما في ظل استمرار الآلة البيروقراطية في ممارساتها التقليدية المنبوذة، حيث ازدهرت الرشوة والمحسوبية في السنوات الماضية باعتراف المسؤولين أنفسهم وكذا اللجنة الوطنية لترقية حماية حقوق الإنسان على لسان رئيسها فاروق قسنطيني، ناهيك عن تقاعس الإدارة المحلية والمركزية في الاستجابة لانشغالات المواطن والإصغاء لمطالبه كأضعف الأيمان. وقد زادت الفضائح المالية التي تنفجر بين الحين والآخر في مختلف القطاعات من تعزيز الانطباع السائد لدى العامة من أن معاناتهم ناتجة عن عدم التوزيع العادل للثروة طالما أن النهب وتحويل المال العام عن وجهته ما يزال مستمرا، رغم الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لمحاربة الفساد والرشوة من خلال تفعيل آليات الرقابة وتعزيز التشريعات الردعية. وفي هذا الإطار برزت بعض الأطراف السياسية في محاولة لاستغلال حالة الاحتقان من خلال الترويج للمظاهر السلبية والأمراض الاجتماعية، والسعي للتأثير على الفئات المعوزة، خاصة في ظل عجز الحكومة على بلورة سياسة اتصالية من شأنها توصيل المعلومة للمواطن وتحسسيه بالتدابير المتخذة لصالح الحفاظ على استقرار وضعه الاجتماعي. وخلاصة لما سبق، يمكن القول بموضوعية، أن أزمة البطالة والسكن والبيروقراطية ومظاهر الفساد في الجزائر تبقى من أبرز التحديات التي تستوجب تدخلا عاجلا لتدارك النقائص ومعالجة الاختلالات، قبل أن تصبح وقودا تستغله »المعارضة« في »إشعال« الشارع من أجل أجندة سياسية غير واضحة المعالم إلى حد الآن.