تحتل الحمامات المعدنية مكانة هامة في الثقافة الشعبية لعامة الجزائريين، و تعد موروثا شعبيا لها من الأسرار والاعتقادات ما يحيطها بهالة من القدسية لدى العامة ممن يعتقدون فيها الشفاء من بعض الأسقام ويفضلونها على عيادات الأطباء، خاصة منهم النساء والمسنين الذين يعتقدون بأسرار الحمامات في شفاء الأمراض النفسية والجسدية وعلى رأسها حمام ملوان الأقرب إلى العاصمة والعاصميين. لا تخل ولاية من ولايات الوطن من وجود عين حارة يقصدها المواطنون للتداوي تحولت بفعل الحاجة والزمن إلى مزار و منطقة سياحية تشهد إقبالا لا ينقطع على مدار السنة، وتشير إحصائية إلى وجود 220 حمام معدني في الجزائر لكل واحد منه خصائص علاجية يعرفها أهل المنطقة. ورغم أن الروايات الشعبية حول هذه العيون والحمامات غالبا ما ترتبط بالمبالغة في رواية ما حققته من شفاء لأمراض مستعصية جسدية منها ونفسية، إلا أن الطب بدوره يؤكد الأهمية العلاجية للحمامات المعدنية وما تحققه من راحة للمرضى وشفاء من بعض أمراض البرد والروماتيزم والجلد كما أنها توفر الراحة والاسترخاء بدليل أن الأطباء يحثون مرضاهم على العلاج الطبيعي دوريا بالحمامات،خاصة منهم كبار السن من الذين يعانون من تعب المفاصل والعظام فقد ثبت أن كل أدوية الروماتيزم تضر أكثر مما تنفع وأنها مع الوقت تؤدي إلى هشاشة العظام وتفتتها، في حين أن العلاج بالمياه المعدنية الحارة يأتي بنتائج أفضل بكثير ويخلص المرضى من الآلام الروماتيزمية لمدة 6 أشهر كاملة لا يحتاجون فيها إلى الأدوية وهذا دون مضاعفات أو آثار جانبية لذا تجد أغلب النساء المسنات المتعودات على هذا النوع من العلاجات الطبيعية يزرنه دوريا أي كلما تجددت أوجاع مفاصلهن التي لا تسكنها سوى حرارة منبع ملوان التي تتعدى ال41 درجة حرارية. سياحة على مدار الفصول الأربعة يقع حمام ملوان شمال شرق عاصمة المتيحة بالبليدة، تبعد عنها بحوالي 34 كلم وعن العاصمة الجزائر ب 37 كلم، تعداد سكانها يقدر بحوالي 10 آلاف نسمة، ينحدر معظمهم من أصول أمازيغية، عرش بني مسرة أهم العروش وأكبرها بمنطقة الأطلس البليدي، أصبح اليوم حمام ملوان قطبا سياحيا هاما بالمنطقة. حمام ملوان، ليس المحطة المعدنية والسياحة الصحية فقط، فهو منطقة خلابة وعذراء بكل ما تحمله الكلمة من معنى إضافة إلى أنها منطقة جبلية تستمر فيها السياحة طيلة فصول السنة، وخاصة تسلق الجبال، والتزلج على الثلج ، والاصطياف. أما في فصل الحر فتتحول ضفاف الوادي إلى خيم من القصب والقش يصنعها شباب ويؤجرونها إلى المصطافين وأغلبهم من سكان العاصمة الذين يفضلون هذا الحمام على غيره وحتى على شواطئ البحر خاصة العائلات المحافظة. ويفضل أغلب العاصميين ارتياد حمام ملوان لعدة أسباب أهمها أسعاره التي تعد في متناول الجميع بحيث لا يتجاوز سعر الجلسة العلاجية 400دج، مقارنة بمركز "تالاسو ثيرابي"بسيدي فرج الذي يتعذر على الكثيرين الاستفادة من خصائصه العلاجية المعتمدة على مياه البحر بسبب تكاليفه الباهظة التي تفوق مقدرة المواطن البسيط الذي لا يجد بديلا عن حمام ملوان القطب السياحي المحاط بثقافة شعبية اختلطت فيها الحقائق بالخرافات، خاصة ما يتعلق ب"عوينة البركة" وهي العين الساخنة أو منبع الحمام الطبيعي التي يشاع الكثير عن فوائدها العجيبة، خاصة من طرف النساء كبيرات السن اللواتي يحاولن نقل ثقافتهن للأجيال الجديدة من الفتيات والنساء. ويزيد إصرار هؤلاء على بناتهن للذهاب إلى "عين البركة" في حالات معينة لا علاقة لها بالعلاج الطبيعي بل بطقوس أخرى ارتبطت بها الحمامات المعدنية ببلادنا منها الشفاء من العقم، حيث تشير روايات هؤلاء النسوة إلى الكثير من الحالات التي كانت تعاني من تأخر الإنجاب، لكن بعد الاغتسال من هذه العين المباركة تم المراد وحصل الحمل.فيما تغتسل أخريات من نفس العين للتخلص من تعطيل الزواج أو ما يسمى بالمفهوم الشعبي ب"الثقاف" ليحظين بعدها بالعريس، ومن المعتقدات الشائعة أيضا أن العين الحارة تشفي الصبيان والفتيات من إصابات العين.إذ يكتفي الاغتسال منها حتى يشفى "المعيون" من أعراض العين والحسد. أساطير يتناقلها أهل المنطقة والزوار تحتوي المحطة المعدنية لحمام ملوان على قبة يطلق عليها " قبة سيدنا سليمان" وهي حمام جماعي تقول الأساطير أن سيدنا سليمان مر بها في رحلة استجمام بعدما استكشفها له الجن، وتضيف الحكايات أن النبي سليمان اختار لمرافقته جنا أصما وأبكم حتى لا يعرف شيئا عن أسرار هذا الحمام وقدرته على شفاء الأمراض والأسقام الجسدية منها والنفسية. كما ارتبط الحمام بقصة ابنة الداي حسين التي أصابها طفح جلدي شوه صورتها وجلدها ولم يفلح الأطباء في علاجها إلى أن نصحه البعض بأخذها إلى حمام ملوان لأن مياهه العجيبة لديها قدرة على مداواة الجلد من أي طفح ،بالذات إذا كانت من "صهريج العروس" وبمجرد أن لامستها مياه الحمام حتى استعادت جمال بشرتها الذي كان أذهبه المرض. ولعل هذه الرواية تفسر لنا إقبال الفتيات والنساء على المياه الحارة لإضفاء الصفاء على بشرتهن.ولا يكتفي طالبوا الشفاء والجمال وفك العين والعقد بالاستحمام من الماء المعدني الحار لعين البركة، وإنما يجلبون معهم الشموع ويشعلونها بنية الشفاء أو الحصول على المراد تماما كما يحدث بأضرحة الأولياء الصالحين، كما يربطون الحناء لنفس الغرض، وتعد الشموع والحناء من طقوسنا الشعبية التي لا تخف على أحد. استثمار مربح لأغلب تجار المنطقة أهمل حمام ملوان خلال أواخر الثمانينات وإلى غاية نهاية التسعينات بسبب الإرهاب الذي عاث فسادا في المنطقة وحرم على المواطنين الاستمتاع بطبيعة المنطقة الخلابة ومياهها النقية، ولم يستعد حركته الطبيعية سوى في سنة ال2000 أي مع عودة الأمن إلى ربوع الوطن واستثبابه. وعادت معه حركة تجارية قوية بالمنطقة، بحيث استغل عشرات التجار هذه المنطقة السياحية في التكسب، وباتت تجارتهم المتواضعة والتقليدية لا تخش الكساد بفضل توافد الزبائن الذي لا ينقطع خلال الفصول الأربعة من السنة،إذ تشير إحصائيات إلى توافد 1500 زائر عليه خلال اليوم الواحد. وتتنوع البضائع المعروضة من ألبسة تقليدية محلية ، وتحف يدوية على رأسها "الدربوكة" التقليدية التي تشهد إقبالا من طرف العائلات لأطفالها ، تماما كالمصوغات الفضية والإكسسوارات المختلفة، ناهيك عن أواني الفخار التقليدية والطواجن المختلفة وبعض مصنوعات الدوم والقش التي مازال يتمسك بها أهالي المنطقة و يسعد الزوار بالفرجة عليها خلال جولاتهم ويقتنون منها كتذكار، خاصة منهم المهاجرين الذين يقبلون على الحمام في فترة الصيف بكثرة. ما يجعل للحمام نكهة سياحية لا تفوتها الأسر خلال عطل نهاية الأسبوع حيث تتوافد جحافل المواطنين على المنطقة. ولعل أكثرما يروقهم في هذه المنطقة السياحية هو التجار الذين يخلقون جوا فريدا واستثنائيا ببيعهم للدواجن الحية من دجاج عربي وديكه وأوز وبط وحجل. فيما تشهد المنطقة تفشي ظاهرة عمالة الأطفال على مختلف أعمارهم، خاصة في العطلة الصيفية حيث تراهم يصطفون لبيع المطلوع الذي يطهى على الطريقة التقليدية والتي تسمى محليا ب"الكوشة العربية" بالإضافة إلى الفواكه على أنواعها والتي تتغير بتغير الموسم.وبعضهم يمتهن هذه التجارة الحرة على مدار العام بعد أن تخلى عن مقاعد الدراسة والتزم بمساعدة عائلته على مشقة الحياة وأعباءها الثقيلة. وتشير مصادر إلى قرب إنجاز مشروع قرية سياحية بالمنطقة في مكان المحطة يشمل فندقا بأربع نجوم إضافة إلى بناء 40 شقة ومحطة استشفائيه نوعية، إضافة إلى مرافق أساسية و تحسينات عمرانية للمحطة.ورغم ذلك يبقى المشروع متواضعا مقارنة بما تزخر به المنطقة من مناظر استثنائية تسلب ألباب زائريها، وتطرح عليهم أكثر من تساؤل ، لماذا لا تستغل هذه المنطقة لجلب أكبر عدد من السياح وتحويلها إلى منطقة سياحية للاستثمار في منطقة عذراء تمتلك قدرات وسمات تفوق بكثير المناطق السياحية في العالم، ناهيك عن قربها من العاصمة ومطارها الدولي.