هل التنصير في الجزائر خطر حقيقي ؟ هذا هو السؤال المحوري الذي طرحته "صوت الأحرار" في ندوة نظمتها ضمن سلسلة ندوات "ضيف التحرير" التي ينشطها البرلماني السابق عدة فلاحي، وعلى عكس ما كان متوقعا لم يكن هناك توافق بين المشاركين في الندوة على إجابة واحدة. التباين في تناول المسألة وتداعياتها وسبل معالجتها كشف حقيقة أساسية هي أن الصورة التي يحملها الجزائريون، سواء كانوا في مناصب رسمية أو ضمن النخب السياسية والإعلامية أو من الجمهور العريض، عن التنصير مشوشة إلى حد بعيد، فلا وجود لدراسات جادة أو لأرقام دقيقة يمكن أن تساهم في حصر أبعاد الظاهرة، مع العلم أن هناك من يرفض أن يطلق عليها وصف الظاهرة لأنه يعتبرها مجرد سلوك فردي لقلة قليلة من الناس، وغياب المعطيات هو الذي يجعل كل مهتم بالموضوع يصر على إعطائه الحجم الذي يراه أقرب إلى تصوراته هو وليس إلى الواقع. أول المتدخلين في الندوة كان الشيخ بوعمران رئيس المجلس الإسلامي الأعلى وقد ركز بصفة خاصة على الجانب التاريخي حيث ربط فعل التنصير بالاستعمار الفرنسي واستشهد بما قاله دو بورمون في قداس ديني أقيم في اليوم الأول لاحتلال الجزائر "هذه الأرض كانت مسيحية وسنعيدها إلى المسيحية"، غير أن الأكثر إثارة في كلام الشيخ بوعمران هو اتهامه الصريح لأسقف الجزائر السابق الأب هنري تيسيي بالتورط في التنصير وبأنه أول من عارض قانون تنظيم الشعائر الدينية لغير المسلمين، وقرأ بوعمران تصريحا لتسيي نشرته وكالة الصحافة الفرنسية يعبر فيه عن معارضته للقانون وأكثر من هذا فهو الذي دفع بابا الفاتيكان بنديكتوس السادس عشر إلى معارضة القانون. موقف رئيس المجلس الإسلامي الأعلى من الكنيسة الكاثوليكية بدا متعارضا مع الموقف الرسمي الجزائري الذي ظل يحمل مسؤولية التنصير للإنجيليين، بل إنه ينقض في الصميم المواقف المعلنة لأسقف الجزائر السابق والذي قال أكثر من مرة إن الإنجيليين هم الذي يفسدون العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في الجزائر ولم يتردد الشيخ بوعمران في القول "أنا لا أصدق تيسيي" وزاد على ذلك بالتأكيد على أن الحوار لم يكن ممكنا معه وهو غير ممكن أيضا مع البابا الحالي، ومع يدعو المتحدث إلى فتح حوار بين المسلمين والمسيحيين لأن ما يجري الآن من جلسات بين أتباع الديانتين في العالم ليس حوارا بل هو محاولات تكذيب كل طرف لعقائد الطرف الآخر، ويضيف أن المشكلة مع الكنيسة تكمن في الإساءة للإسلام، وعلى سؤال ما الحل ؟ يجيب رئيس المجلس الإسلامي الأعلى بالقول " سلاحنا هو قانون تنظيم الشعائر الدينية " ثم يردف " دستور البلاد يكفل حرية العقيدة ومن أراد أن يتنصر فله ذلك ". العبارة الأخيرة التي أطلقها الشيخ بوعمران وهو يهم بالمغادرة أثارت السؤال الكبير على الدكتور عمار طالبي الذي مثل جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وهو "ما حكم الإسلام فيمن بدل دينه ؟" الجواب لم يكن سهلا لكن المتدخل اجتهد في تأكيد ما ينص عليه الدستور من حرية العقيدة وأشار إلى حديث نبوي شريف يجعل القتل حدا للردة لكنه استدرك بأن هناك مذاهب تجعل عقاب المرتد في الآخرة وليس في الدنيا، وبالنسبة لعمار طالبي فإن الهدف من التنصير ليس نشر المسيحية بل السعي لإيجاد أقلية في الجزائر وتطبيق قانون تنظيم الشعائر كفيل بالتصدي لهذا "العبث" كما سماه. مداخلة عالم الاجتماع الدكتور زبير بن عروس فتحت الباب أمام جدل حاد، فقد نفى أولا وجود ظاهرة التنصير في الجزائر وقال إنها "ظاهرة إعلامية"، فلا وجود لدراسات اجتماعية ولا لإحصائيات دقيقة ونحن لا نعلم على وجه التحديد الملمح الاجتماعي لهؤلاء الذين تنصروا ومع ذلك نصر على القول بأن هناك تنصيرا في الجزائر، ويبدو بن عروس أكثر تفاؤلا بالعودة إلى التاريخ لأن التنصير بدأ في الجزائر منذ 1830 لكنه لم ينجح والسبب هو أن الدين امتزج لدى الجزائريين بالعادات الاجتماعية وهو ما جعل الدين من الموانع الاجتماعية، ومع هذا لا ينكر أن القيم الضابطة لدى المجتمع الجزائري عانت من انكسار شديد أثناء الأزمة التي عصفت بالجزائر في عقد التسعينيات. النقطة الخلافية الأخرى التي أثارها الدكتور بن عروس هي قانون تنظيم الشعائر الدينية الذي اعتبره غير دستوري، وقال إن الفوضى بدأت من طريقة معالجة المسألة التي تم تناولها بحساسية مفرطة، وبرأيه فإن القانون قمعي ويشوه صورة الجزائر، والخطأ الأول فيه هو أنه تمييزي لأنه يتوجه إلى غير المسلمين تحديدا وكان بالإمكان جعله قانونا لتنظيم ممارسة الشعائر للمسلمين وغير المسلمين دون تحديد خاصة وأن هناك تنظيما للشعائر الإسلامية أيضا ولكن بطريقة أكثر ذكاء، ويرد المتحدث على الذين يتخوفون من بروز أقلية مسيحية في الجزائر بالقول "قوانين التاريخ تؤكد لنا أن بروز أقليات يأخذ وقتا طويلا جدا وليس بهذه الطريقة يمكن أن نخلق طائفة جديدة". على عكس ما ذهب إليه الشيخ بوعمران وعمار طالبي فإن زبير بن عروس يعتبر الكنيسة الكاثوليكية بريئة من التنصير وهو يؤكد أن لقاءاته بالأب هنري تيسيي أكدت هذا الأمر ومن الخطأ أن نقحم الكنيسة في هذا الموضوع بل علينا أن نفتح حوارا معها لأنها هي التي تتصدى لما يقوم به الإنجيليون من حملات، لكن هذا الرأي لم يجد موافقة من الدكتور عمار طالبي. مداخلة البرلماني السابق والناشط السياسي محمد أرزقي فراد أعطت بعدا سياسيا للقضية من خلال طرح أسئلة حرجة عن السبب الذي جعل التنصير يزدهر في عهد الاستقلال وليس في عهد الاحتلال الفرنسي وهل هناك جهات محلية أو وطنية تستفيد من هذا الوضع، وبالتركيز على منطقة القبائل لم يتردد المتحدث في القول إن حركة الاستقلال الذاتي للقبائل التي يقودها فرحات مهني تشجع التنصير لأنه يساعد على تأكيد تمايز منطقة القبائل تبريرا للانفصال لكن فراد طرح السؤال الأكثر إثارة عندما قال " ألا توجد دوائر في السلطة تغض الطرف عن هذا الأمر لأنها تريد أن تشجع التيار الانعزالي من أجل عزل منطقة القبائل عن بقية أنحاء البلاد ؟ " ورغم أن طرح الأسئلة لا يعني تقديم إجابات فإن فراد ركز على غياب الديمقراطية كأحد العوامل الأساسية التي تشجع التطرف والبحث عن التمايز والذي قد يكون بتغيير الدين أيضا.