لا أحد ينكر الأهمية التي تكتسيها مسألة مراجعة قانون الإعلام الذي تجاوزه الزمن، مع أن الكثير من بنوده لم تطبق في الواقع ولم يستفد منها أهل المهنة، والمؤكد أيضا أن رفع التجريم عن الجنح الصحفية الذي أعلن عنه الرئيس بوتفليقة في خطابه الأخير للأمة، مكسب يتوجب تثمينه، فإذا كان من غير الممكن الحديث عن عدالة حقيقية دون استقلالية فعلية لجهاز القضاء فكذلك لا يمكن الحديث عن إعلام حقيقي وعن صحافة تؤدي واجبها الإعلامي على أكمل وجه في غياب الحرية، أو في ظل قوانين قمعية تتصدى لأهل مهنة المتاعب بالسجن والملاحقات البوليسية والقضائية، إلا أن أنه لا يجب أن ينسينا كل هذا الضجيج الحاصل حول تجديد الترسانة القانونية التي تحكم ما يسمى ب »السلطة الرابعة« ، عن مسألة أخرى لا تقل أهمية تتعلق بالوضع المهني والاجتماعي للصحفيين، فلا معنى ولا مغزى لحرية تعطى لصحفي يتقاضى راتبا مذلا ويعيش حياة بائسة لا تليق بالإنسان كإنسان ناهيك عن رجل الإعلام. تشرفت مرة بالمشاركة في أحد اللقاءات التي نظمتها الوزيرة خليدة تومي لما كانت على رأس قطاع الإعلام، وهذا في إطار مناقشة مسودة مشروع قانون الإعلام الذي بقي يراوح مكانه ولم يرى النور إلى غاية الآن، وطرحت الوزيرة التي كانت أكثر حماسة حتى من أهل المهنة لإعادة الاعتبار إلى الصحفي، وعند إثارة مسألة وضع تصور لبطاقة مهنية موحدة ومحترمة، فوجئ جميع الصحفيين ببعض مدراء الصحف، الذين حضروا اللقاء يفترض أن يحضره الصحفيون ورؤساء التحرير المعنيون بالمشروع، وهم يتصدون بقوة لمقترحات الوزيرة ويرفضونها جملة وتفصيلا، بدعوى أن توحيد البطاقة المهنية للصحفيين يعد تدخلا في عمل المؤسسات الإعلامية »المستقلة«، مما قد يؤثر حسب زعمهم طبعا على استقلاليتهم، وفهمت كما فهم الجميع أيضا بان إعادة الاعتبار للصحفي والرفع من قدر وهيبة المهنة لا يزعج السلطة بالقدر الذي يزعج الكثير من أباطرة الإعلام ، فهؤلاء الذين يحصرون معركة الإعلام في الحرية والاستقلالية هم أنفسهم من يشغلون متخرجين من الجامعات دون تصريح وبرواتب مهينة. التركيز هنا على أباطرة الإعلام لا يعني بأن السلطة بريئة وأنها لا تتحمل القدر الأكبر من المسؤولية فيما يحصل من مهازل داخل القطاع، فالسلطة وللأسف الشديد لا تعامل الصحافة باحترام، استعملتها أيام محنة الإرهاب كما استعملت الحرس البلدي والمقاومين، وتخلت عنها بمجرد أن عاد السلم إلى ربوع الوطن، هذه السلطة هي نفسها التي قامت ب »تسمين« بعض ملاك الصحف وحولتهم من لا شيء إلى أصحاب سلطة وجاه، وهي نفسها التي تتغاضى عن الجرائم التي ترتكب بدعوى أن المسألة ترتبط بمؤسسات مستقلة أو تحمل المسؤولية كاملة للصحفيين الذين عجزوا عن تنظيم أنفسهم للدفاع عن حقوقهم. جميل أن يعلن وزير الاتصال عن قرب طرح مشروع قانون الإعلام الجديد ورفع التجريم عن جنح الصحافة، فإذا حصل ذلك خلال الأيام القليلة المقبلة سوف تقطع الصحافة بلا شك أشواطا مهمة نحو الحرية والانعتاق من سلاسل التخويف، لكن الأجمل من كل ذلك أن نسمع ناصر مهل يتوعد بتطهير المهنة من »الطرابانديست«، ويبقى أن نعرف الوصفة السحرية التي بيد الوزير للتخلص من هؤلاء، فهل ستقوم »الوصاية« فعلا بتنظيم المهنة وفرض حد أدنى للأجور موحد ونظام للترقية محترم داخل كل وسائل الإعلام العمومية و الخاصة أم أنها ستترك القطاع عرضة لأشخاص يسيرون الصحف كما تسير الدكاكين أو المستثمرات الفلاحية أو أسوء من ذلك، ويعاملون الصحفيون بشكل مهين، ويقترفون جرائم ضد الإعلاميين اشد وطأة من السجن والملاحقات البوليسية، لأن اغلب هؤلاء الأباطرة الذين يمنح لهم الاعتماد لإنشاء الصحف ليست لهم أي علاقة مع مهنة الصحافة.