التزمت أمس الحكومة على لسان الوزير الأول، أحمد أويحيى، بدعم المؤسسات الاقتصادية وتحسين محيط الاستثمار واعترفت في المقابل بوجود »نقائص في هذا المجال ينبغي تداركها« مشددة على أنه لا يوجد أي تمييز بين المؤسسة العمومية والمؤسسة الخاصة وأن القرارات التي تنتهي إليها الثلاثية ستدخل حيز التنفيذ خلال السنة الجارية، من جهتها، انتقدت منظمات »الباترونا« بشدة بيروقراطية الإدارة والتأخر المُسجل ميدانيا في تطبيق القرارات وشددت على ضرورة إشراكها في وضع الاستراتيجيات الاقتصادية، بينما رافعت المركزية النقابية لصالح إعادة القروض الاستهلاكية. لم يكن لقاء الثلاثية المنعقد أمس بإقامة »جنان الميثاق«مثل اللقاءات السابقة، فإضافة إلى كونه خُصص أساسا للملفات الاقتصادية شهد تبادل الانتقادات بين الحكومة ومنظمات أرباب العمل سيما بين الوزير الأول أحمد أويحيى ورئيس منتدى رؤساء المؤسسات رضا حمياني الذي عاد إلى المُشاركة ضمن هذا الفضاء التشاوري بعد مدة طويلة من المقاطعة، وقد حدث ذلك في ظل غياب أعضاء الأمانة الوطنية للاتحاد العام للعمال الجزائريين بحيث اقتصر الحضور على الأمين العام عبد المجيد سيدي السعيد وأحد مُساعديه باعتبار أن اللقاء ذو طابع اقتصادي أكثر منه اجتماعي. * تفضيل المؤسسات الوطنية في الصفقات العمومية وخلال كلمته الافتتاحية، وصف الوزير الأول أحمد أويحيى هذه القمة ب»الخاصة« كونها منبثقة عن تعليمة من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وكونها »تستقبل منتدى رؤساء المؤسسات الذي اختار الالتحاق بلقاءات الثلاثية وكذا بالنظر إلى ما أسماه »مرحلة النقاش الوطني الواسع التي تشهدها بلادنا من أجل نقلة نوعية جديدة في كل الميادين«، مذكرا بأن القرارات التي سيخرج بها اللقاء ستدخل حيز التنفيذ خلال السنة الجارية. وعاد أويحيى في كلمته إلى التذكير بالإجراءات الاقتصادية المتخذة كعملية تخفيف الضرائب بما في ذلك تخفيض أتاوى إيجار الامتياز بنسبة 90 بالمئة في شمال البلاد على مدى سنوات الانجاز و50 بالمئة على مدى سنوات الاستغلال مع جعلها لا تتجاوز الدينار الرمزي للمتر المربع خلال السنوات العشر الأولى للمشروع بمنطقتي الهضاب والجنوب، أما بالنسبة لترقية الإنتاج والمؤسسة المحلية جدد المتحدث التذكير بالتدابير المتخذة في هذا الميدان منها منح المؤسسة الجزائرية هامشا تفضيليا بنسبة 25 بالمئة أغلى في إطار الصفقات العمومية.. * 1500 مليار دج سنويا للأجور والمنح وكشف الوزير الأول أن الدولة تضخ كل سنة أزيد من 3 آلاف مليار دج كصفقات عمومية وأكثر من 1500 مليار دج كأجور ومنح معربا عن أمله في أن تكون هذه الأموال في خدمة استحداث الثروات ومناصب العمل بدلا من أن توجه لتفعيل حجم الواردات ورفع كلفتها موضحا أن المزيد من الجهود يظل من الواجب بدلها لفائدة المؤسسة ومشددا في الوقت نفسه على أن الاستثمار يتطور في البلاد عكس ما يذهب إليه البعض، مستدلا بذلك بأرقام تخص الفترة الممتدة من جانفي 2010 إلى أفريل 2011 بحيث استفادت خلالها المؤسسات العمومية من 52 برنامجا من أجل استثمارات بمبلغ 718 مليار دج خارج المحروقات، بينما باشرت المؤسسات الخاصة لوحدها 43 استثمارا بمبلغ إجمالي قدره 156 مليار دج، كما وصلت قيمة الاستثمارات التي تجمع مؤسسات جزائرية عمومية وخاصة بمؤسسات أجنبية إلى 120 مليار دج من خلال 28 عملية استثمارية ومنه تم تجسيد ما يفوق 1000 مليار دج، أي حوالي 14 مليار دولار في استثمارات المؤسسات العمومية والخاصة خارج قطاع المحروقات وفي مختلف القطاعات. * لا يوجد أي مشروع ينتظر موافقة مجلس الاستثمار ورغم هذه المعطيات، شدد أويحيى على أن الجزائر مدعوة إلى أن تتجه نحو المزيد من الاستثمارات الاقتصادية من أجل تلبية طلبها الداخلي واستحداث المزيد من مناصب الشغل وتحسين إنتاجيتها ورفع صادراتها وتنويعها وهو ما يقتضي، يقول، تحسين محيط الاستثمار، وفي رده على منتقدي الإجراءات التي جاء بها قانون المالية التكميلي لسنة 2009، أورد أويحيى أن هذا القانون أُريد به أن تتاح الفرصة لرأس المال الوطني وللمؤسسة الجزائرية سيما وأن القاعدة المُسماة 49.51 في الاستثمار حُظيت بقبول الشركاء الأجانب معتبرا أحكام قانون المالية التكميلي لسنة 2009 فيما يخص المؤسسة الجزائرية ليست بنودا مقدسة ولا هي حواجز يتعذر تخطيها. وبخصوص الانتقادات التي وُجهت في وقت سابق إلى التعليمة القانونية التي تفرض عرض كل مشروع استثماري يفوق مبلغه 500 مليون دج أو كل مشروع مختلط على المجلس الوطني للاستثمار، أورد بأنه لا يوجد أي مشروع استثماري وطني خاص تفوق قيمته المبلغ المذكور ولا حتى أي مشروع مشترك في انتظار موافقة المجلس الوطني للاستثمار، وحسب الأرقام التي قدمها يوجد إلى غاية 23 ماي 87 ملفا بالضبط من هذا النوع قيد الدراسة على مستوى الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار مرجعا السبب إلى ما اسماه »افتقار هذه الملفات إلى عدد من الوثائق والعناصر التي يشترطها القانون. وأكد أويحيى أن الحكومة ستصغي باهتمام للمساهمات التي يُمكن أن يُقدمها شركاؤها الاقتصاديون لمحاربة الغش الاقتصادي معتبرا تحسين مُحيط الاستثمار يُعد انشغالا مشتركا معلنا في الوقت نفسه عن اقتراح الجهاز التنفيذي فتح ورشة مشتركة تتعلق بتحسين مناخ الأعمال على أساس المعايير التي حددها البنك العالمي. * سيدي السعيد يُقدم 14 اقتراحا لدعم الاقتصاد الوطني بدوره رافع الأمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين عبد المجيد سيدي السعيد خلال كلمته لصالح إعادة القروض الاستهلاكية مع تخصيصها لاقتناء الإنتاج الوطني فقط وأكد سيدي السعيد أن منظمته تُدعم كل الإجراءات الهادفة لدعم المؤسسات الوطنية شرط أن يعود أثر ذلك على التشغيل والقدرة الشرائية وقدم 14 اقتراحا لدعم الاقتصاد الوطني وتوفير مناصب الشغل أهمها إنشاء مرصد للتجارة وتشجيع التصدير خارج قطاع المحروقات وإدراج الجامعة والإطارات الجزائرية المُهاجرة في دعم التنمية الوطنية. كما طالب الأمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين بتطوير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة باعتبارها فضاء هام لخلق مناصب الشغل واشترط أن يكون الانفتاح الاقتصادي على الشركات الأجنبية بما يُوفر الفائدة للطرفين، كما دعا إلى ضرورة احترام المؤسسات الاقتصادية الوطنية لممثلي النقابة وفتح الحوار بشكل دائم معهم. * رؤساء الباترونا يشتكون بيروقراطية الإدارة من جهتهم، اشتكى رؤساء منظمات أرباب العمل من عدة عراقيل يُواجهونها يوميا مع الإدارة وانتقدوا بشدة التأخر المُسجل في تطبيق القرارات المتخذة من قبل الرئيس بوتفليقة والجهاز التنفيذي وكذا التردد الذي لا يزال يطبع الاستراتيجية الاقتصادية وهو ما يجعل الحكومة، يقولون، تلجأ دائما إلى قوانين مالية تكميلية. في هذا السياق، أكد رئيس الكنفدرالية الوطنية لأرباب العمل الجزائريين ،نايت عبد العزيز، أنه رغم العلاقة القديمة الموجودة بين المؤسسة والبنك إلا أن المشاكل تبقى قائمة بين الطرفين داعيا إلى إيجاد صيغة أكثر واقعية فيما يتعلق القرض المستندي وغلى العمل تجاه تعميق الإصلاحات وتسهيل عمليات منح القروض، وهو نفس الشيء الذي ذهب إليه رئيس الكنفدرالية العامة للمقاولين الجزائريين، حبيب يوسفي والذي اعتبر الإجراءات المتخذة لغاية الآن في المجال الاقتصادي هامة جدا لكنها تبقى، برأيه، غير كافية ومنه رافع لصالح إجراءات أخرى من أجل تحسين محيط المؤسسة ودعم الاستثمار منتقدا التعامل بصيغة التمييز بين المؤسسة العمومية والمؤسسة الخاصة. ودعا يوسفي الحكومة إلى الفصل في الاستراتيجية الاقتصادية التي يتم انتهاجها والإسراع في إنهاء مشروع قانون العمل لتحديد العلاقة بين المؤسسة والعامل مجددا التأكيد على ضرورة إشراك »الباترونا« في كل القرارات الاقتصادية التي يتم اتخاذها وإعادة النظر في العقد الوطني الاقتصادي والاجتماعي على ضوء ما ينتهي إليه لقاء الثلاثية المنعقد. * حمياني يصف نتائج الاستثمارات ب»الضعيفة« أما رئيس منتدى رؤساء المؤسسات رضا حمياني، الذي عاد من جديد إلى فضاء الثلاثية بعد سنوات عديدة من المقاطعة، فكان أكثر رؤساء منظمات أرباب العمل انتقادا للحكومة معتبرا الإجراءات والاستثمارات المتخذة لم تأت بالنتائج المطلوبة وذهب إلى حد وصفها ب»الضعيفة«، كعدم قدرة الإنتاج الوطني، يقول، على تجاوز الصادرات خارج المحروقات مبلغ 2 مليار دولار وعدم التمكن من توفير مناصب شغل منتجة وعليه دعا إلى إعادة النظر في العديد من الإجراءات باعتبار أن المؤسسة الوطنية لم تكن قادرة على تحمل الانفتاح الاقتصادي. وحسب المتحدث فإن الجزائر لم تُشخص بشكل جيد الوضع الاقتصادي قبل دخول الألفية الثالثة وهو ما يجعل النمو المُسجل خلال السنوات الأخيرة مُهدد بالتراجع بمجرد تراجع الاستثمارات العمومية وانتقد حمياني ما أسماه الاقتصاد الموازي واعتبر اللجوء إلى القرض المستندي للحد من الواردات ليس هو الحل الأمثل وأعرب عن دعمه للسياسات الاقتصادية التي تقوم بها الحكومة شرط إشراك المتعاملين الاقتصاديين في ذلك والتوصل إلى اتفاق شامل قبل تطبيقها. كما انتقد حمياني سياسة مراجعة القوانين عبر قوانين المالية التكميلية، وهو أمر يُعطل برأيه، التنمية باعتبار أن الاستقرار في القوانين له أهمية في ذلك، وصب جام غضبه على بيروقراطية الإدارة والبطء الكبير الذي تتميز به في تطبيق القرارات المتخذة من قبل الجهاز التنفيذي. * أويحيى يرد على انتقادات أرباب العمل وقد أصر الوزير الأول أحمد أويحيى في ختام الجلسة الافتتاحية التي دامت ثلاث ساعات كاملة، وهو أمر غير مسبوق، على الرد على بعض الانتقادات موضحا أن القانون لا يتضمن أي تمييز بين المؤسسة العمومية والمؤسسة الخاصة، وفضل التوضيح بأن الحكومة لا تقصد بالاقتصاد الموازي أولائك الشباب الذين يبيعون في الطرقات والأحياء بل تقصد أصحاب الحاويات، كما أبدى سعادته للطريقة التي دافع بها بعض أرباب العمل على الاقتصاد الوطني ودعاهم إلى فعل نفس الشيء مع الأجانب، كما أوضح بأن قانون المالية التكميلي لسنة 2011 لا يتضمن أي تعديلات جديدة وأن الحكومة ليست مترددة ولا متراجعة في تطبيق الإجراءات المتخذة.