نفى السيد أحمد أويحيى الوزير الأول أمس أن تكون الإجراءات التي وضعتها الحكومة تعطل الاستثمار، في حين أرجع العراقيل التي تعيق فرص الاستثمار في البلاد إلى الغش بكل أشكاله في الميدان الاقتصادي. وذكر في هذا الصدد بالإجراءات التي تتخذها الحكومة في كل مرة لمكافحة هذه الآفة مع ما يترتب عن ذلك من انعكاسات صعبة على الاستقرار الاجتماعي. وجدد الوزير الاول في كلمته الافتتاحية لأشغال الثلاثية (حكومة-مركزية نقابية-أرباب العمل) المخصصة لبحث كيفية تطوير الاقتصاد وترقية المؤسسة بإقامة الميثاق إرادة الحكومة للإصغاء إلى المساهمات التي يمكن أن يقدمها شركاؤها الاقتصاديون لمحاربة الغش الاقتصادي خدمة لمؤسساتهم أولا ثم لفائدة الاقتصاد الوطني عموما. وفي معرض تكذيبه لعدم وجود أي مشروع استثماري وطني خاص يفوق مبلغه 500 مليون دينار ولا أي مشروع استثماري مشترك ينتظر موافقة المجلس الوطني للاستثمار أشار السيد أويحيى إلى وجود الى غاية 23 ماي الجاري 87 ملفا من هذا النوع قيد الدراسة على مستوى الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار وليس على مستوى المجلس الوطني للاستثمار، غير ان هذه الملفات تفتقر الى عدد من الوثائق والعناصر التي يشترطها القانون، مضيفا ان عرض المشاريع التي تدخل ضمن الفئات التي سبق ذكرها على المجلس الوطني للاستثمار لا يهدف إلا للسهر على احترام المعايير القانونية. كما أولى الوزير الاول اهمية لتحسين محيط الاستثمار الذي اعتبره انشغالا مشتركا، وعليه اقترح فتح ورشة مشتركة تتعلق بتحسين مناخ الاعمال على اساس المعايير التي حددها البنك العالمي الذي صنف الجزائر في المرتبة 136 من بين 183 بلدا فيما يخص مناخ الاعمال. وقد فضل السيد أويحيى الاقرار بذلك من منطلق التأكيد على استعداد الحكومة التعامل مع شركائها بشفافية وانها ''ليست منغلقة في موقف اعتدادي، فهناك انجازات في المجال الاقتصادي يجب ان تقال، كما ان هناك نقائص في نفس المجال ينبغي تداركها ونحن نقر بذلك من أجل تحسينها''. الحكومة تستقبل الشركاء بيد ممدودة ومن باب إبداء استعداد أكبر لإشراك الشركاء في مختلف القرارات الاقتصادية التي تهم البلاد، لم يتوان الوزير الأول في طمأنتهم بالقول إن الحكومة تستقبل المنظمات النقابية وأرباب العمل خلال هذه الثلاثية بيد ممدودة وأن هذا اللقاء ينجم عن ''القرارات المتخذة خلال مجلس الوزراء الأخير''، مشيرا إلى أن هذه الثلاثية تتميز بمشاركة منتدى رجال الأعمال لأول مرة. وأوضح في هذا الصدد أن الثلاثية صارت تقليدا راسخا بعد أن عقدت ثلاثة عشر لقاء والرابع عشر سيعقد مع الدخول الاجتماعي القادم، حيث سيخصص لقضايا الشغل، مضيفا أن قمم الثلاثية قد أصبحت ممارسة ثابتة بما أن قمة (أمس) والتي تأتي بعد تلك التي عقدت في 2005 تمثل الثالثة من نوعها التي تم خلالها بعث ورشة العقد الاقتصادي والاجتماعي، غير أن هذه القمة التي تجمعنا اليوم -يؤكد السيد أويحيى- تعتبر قمة خاصة على اكثر من صعيد، كونها منبثقة عن تعليمة رئيس الجمهورية التي كلفت الحكومة بموجبها بدعوة شركائها الاقتصاديين والاجتماعيين الى اجراء تشاور يخصص حصرا لدراسة سبل ووسائل دعم تطوير المؤسسة وترقية مناخ انسب للاستثمار والنشاط الاقتصادي، حيث ستوضع مقررات هذا التشاور والورشات التي يتم الاتفاق عليها حيز التنفيذ خلال هذه السنة. وأبرز الوزير الأول خصوصية هذا اللقاء في كونه يتزامن والمرحلة التي تشهدها البلاد من نقاش وطني واسع من أجل نقلة نوعية جديدة في كل الميادين، سواء تعلق الأمر بتعزيز الديمقراطية التعددية وتوسيع التنمية الاقتصادية وتدعيمها أو بتفعيل أكبر للتنمية البشرية والاجتماعية. ورغم إشارته إلى عدم عقد لقاء للثلاثية منذ أزيد من سنة إلا أن السيد أويحيى أكد أن التنمية الاقتصادية والاجتماعية ما انفكت تشكل بالنسبة للحكومة هدفا مركزيا، واستشهد في هذا المجال بتوسع عمليات تخفيف الضرائب، أما في الميدان العقاري فقد شهدت أتاوات ايجار الامتياز تخفيضا في شمال البلاد بنسبة 90 بالمائة على مدى سنوات الإنجاز و50 بالمائة على مدى سنوات الاستغلال، اما بالنسبة للجنوب والهضاب العليا، فإن هذه الأتاوات لا تتجاوز الدينار الرمزي للمتر المربع خلال السنوات العشر الاولى للمشروع. وفيما يتعلق بتمويل الاستثمار فإن آليات الضمانات قد تعززت، حيث انطلقت ادوات تمويل رأس المال وتلك الخاصة بالقرض الايجاري في نشاطاتها، اما بخصوص دعم التشغيل فإن الدولة التي تتكفل بالمنح العائلية لعمالها توفر كذلك للمؤسسات مقابل التوظيف، تخفيضات للأعباء الاجتماعية قد تصل الى نسبة 28 بالمائة في شمال البلاد و36 بالمائة في الهضاب العليا والجنوب، علاوة على الاطارات والمستخدمين الذين يوضعون تحت تصرف المؤسسات برسم عقود الادماج الى جانب التعويضات الهامة التي تدفعها الدولة. وأوضح السيد أويحيى أن ''الدولة تخصص كل سنة حوالي 3000 مليار دينار كصفقات عمومية واكثر من 1500 مليار دينار للأجور والمنح''. اما فيما يتعلق بقاعدة 51/49 بالمائة، فقد أشار إلى أن هذا الإجراء ''يهدف إلى إعطاء فرصة لرأس المال الوطني والمؤسسات الجزائرية في الجزائر''، موضحا أن هذا ''التشريع قد حظي بالقبول من قبل شركائنا كما تبرزه المشاريع الهامة المعتمدة''. 1000 مليار دج في استثمارات المؤسسات الاقتصادية الوطنية وفي سياق تأكيده على إرادة الدولة في دعم وتشجيع نشاط المؤسسات الاقتصادية الوطنية سواء كانت عمومية أو خاصة، فقد اكد الوزير الأول انه قد تم تجسيد اكثر من 1000 مليار دينار منذ شهر جانفي في استثمارات هذه المؤسسات في مختلف القطاعات خارج المخروقات. وأوضح ان الاستثمار ينمو في الجزائر والدليل على ذلك 43 عملية استثمار بمجموع 156 مليار دينار التي بادرت بها المؤسسات الخاصة خلال الاشهر ال14 الاخيرة في اطار المشاريع التي تفوق 500 مليون دينار للمشروع التي درسها المجلس الوطني للاستثمار. وفيما يخص الاستثمارات المختلطة التي تشارك فيها المؤسسات الجزائرية العمومية أو الخاصة مع المؤسسات الاجنبية، اكد رئيس الجهاز التنفيذي انه تم استثمار 120 مليار دينار خلال الاشهر ال14 الاخيرة في 28 عملية، وذلك في الوقت الذي استفادت فيه المؤسسات العمومية خلال نفس الفترة من 52 برنامجا ممتدا على عدة سنوات للتمويلات البنكية لاستثمارات بمجموع 718 مليار دينار خارج المحروقات. من جهته حيا الأمين العام للمركزية النقابية السيد عبد المجيد سيدي سعيد مبادرة رئيس الجمهورية التي قال بأنها تعكس التزامه بتطوير المؤسسات الاقتصادية الوطنية وتقديم الدعم لها لتكون في مستوى التطلعات المنشودة، مشيرا الى ان نتائج هذا اللقاء ''ستكون في مستوى تطلعات عالم الشغل وانشغالات المتعاملين من خلال الهدف المحوري المتفق عليه وهو جعل المؤسسة الجزائرية وبالتالي التشغيل رافدا اساسيا للتنمية الاقتصاية والاجتماعية''. واشار الى ان المركزية النقابية تتطلع لضمان الاستقرار حتى يتسنى انجاز مختلف برامج التنمية الاقتصادية واعداد خارطة طريق لتجسيد الاصلاحات السياسية التي اقرها رئيس الدولة. كما تقدم الأمين العام للمركزية النقابية بأربعة عشر اقتراحا لترقية وحماية الاقتصاد الوطني. حيث اشار الى ان مسيري المؤسسات العمومية يعتبرون ''انفسهم بأنهم مقيدون، بينما يعتبر المتعاملون الخواص انهم مهمشون'' وهي الوضعية التي تضعهم -كما قال- في ''مواقف انتظار تلحق الضرر بتنمية اقتصادية سريعة''. وفي سياق حديثه عن رفع التحديات الاقتصادية اكد سيدي سعيد ضرورة تثمين وترقية الانتاج الوطني من خلال اعمال ''ذات اولوية ودائمة''، كتحيين الامر الحكومي لجانفي 1997 المتضمن ترقية الانتاج الوطني الذي يظل -حسب المركزية النقابية- ''مطروحا اكثر فأكثر''، الى جانب بعث القرض الاستهلاكي للمنتوج الوطني فقط وإحياء التعاونيات الاستهلاكية وانشاء مساحات كبرى لتوزيع المواد المحلية بالشراكة مع القطاع الخاص الوطني من اجل ''القضاء على المضاربة التي تنخر القدرة الشرائية للمواطنين'' وكذا انشاء مخزون لمناصب الشغل واستهداف افضل للتحويلات الاجتماعية للدولة. كما ان الامر يتعلق ايضا بتخفيض نسب الرسم على القيمة المضافة على هذه المنتوجات ومنع نهائيا استيراد الالبسة المستعملة'' ومنتوجات ''البازار'' الاخرى (الشيفون) الموجهة للاستهلاك بالنظر الى الاضرار الصحية المنجرة عنها بالاضافة الى عرقلتها للمنتوج الوطني. وتتمثل الاقتراحات الاخرى للمركزية النقابية في ارساء رسم على القيمة المضافة ''أكثر ثقلا'' على الواردات من المنتوجات المصنعة أو الموجهة للبيع على حالها واعادة ترتيب شروط الدفع عند استيراد المواد الاولية والمدخلات الموجهة للانتاج الوطني وانشاء ''رواق أخضر'' بالنسبة للمنتجين الوطنيين فيما يخص عمليات التصدير خارج المحروقات ومنح مزايا معتبرة لأصحاب المشاريع التي تسمح ببديل للاستيراد وتشجيع البنوك التجارية لضمان تمويلات على المدى الطويل من خلال اللجوء الى الصندوق الوطني للاستثمار. ولدى تطرقه إلى النقطة ال14 المتعلقة باتفاقات التبادل الحر التي وقعتها الجزائر دعا الاتحاد العام للعمال الجزائريين شركاءه الى ''مباشرة عمل مكثف بين مختلف القطاعات والمتعاملين الاقتصاديين لتعديل في آن واحد اجندة التفكيك الجمركي وقائمة القطاعات الهشة الواجب حمايتها لمدة اطول'' وهذا بالنسبة لاتفاق الشراكة مع الاتحاد الاوروبي والاتفاقية المبرمة مع المنطقة العربية للتبادل الحر. واذ ثمن ممثلو أرباب العمل عقد هذا اللقاء الذي يتزامن والاجراءات الاقتصادية الهامة التي اعلنها رئيس الجمهورية والتي وصفها مثلا رئيس منتدى رؤساء الموسسات رضا حمياني بأنها ''ثورية''، فقد تركزت المداخلات على ضرورة اشراك مختلف المتعاملين الاقتصاديين في قرارات الحكومة مع وضع المؤسسات الاقتصادية الوطنية في قلب الانشغالات، من خلال تجنيد كافة الامكانيات المتوفرة لصالح تطوير هذه المؤسسات، مع تحديد المشاكل التي يعرفها مناخ المؤسسات ومناقشة الوساطة المالية وتأهيل المؤسسات الوطنية، مع البحث عن حلول لضمان استقرار الاطار القانوني للمؤسسات. واذ اشاد السيد حمياني بالوسائل الكبيرة التي تتمتع بها الجزائر والتي سخرت في استثمارات ضخمة، إلا انه اقر بأن كل ما تم توفيره لم يكن كافيا للاستجابة للانشغالات الاجتماعية، مشيرا الى ان اكثر ما تحتاجه المؤسسات الاقتصادية الوطنية هو توفير الحماية لها ومرافقتها، لا سيما وانها لم تتحمل ''ثقل الانفتاح'' وان الاستثمار المنتج يبقى الحل الوحيد للخروج من الازمة. ورغم هذه النظرة للسيد حمياني ازاء الواقع الاقتصادي للبلاد من خلال اشارته الى ان الاجراءات التي تتخذها الحكومة لا تجد ارضية في الواقع خاصة فيما يتعلق بمسألة العقار ومطالبته بإلغاء القرض المستندي وتعويضها برسائل طلبات الدفع، إلا أنه أكد أن أرباب العمل يظلون حلفاء الحكومة شريطة استشارتهم عبر الحوار. وقد رد الوزير الاول على هذه الاستفسارت بالقول ان الاجراءات الخاصة بالعقار قد دخلت حيز التنفيذ يوم 27 فيفري الماضي، في حين فند ان يكون هناك تمييز بين المؤسسات العمومية والخاصة وان الصفقات بالتراضي موجهة للأجانب وليس للمستثمرين الجزائريين. كما تمنى أن لا يحصر الحديث الخاص بحماية الاقتصاد الوطني بين المتعاملين المحليين بل ان يوجه ايضا الى المستثمرين الاجانب الذين قال عنهم إنهم يأتون للجزائر للدفاع عن مصالح بلدانهم، في حين اشار الى انه ليس للدولة أي نية في تغيير القوانين، حيث تم ايداع قانون المالية التكميلي ولا يحمل أي جديد ماعدا مسألة العقار، مشيرا الى ان الحكومة انهت دراسة مسألة تأهيل المؤسسات وان ابوابها مفتوحة لكل الشركاء. يذكر ان هذا اللقاء الذي جرى بعد الظهيرة في جلسة مغلقة قد شارك فيها اعضاء من الحكومة التي ضمت كلا من وزراء المالية والصناعة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وترقية الاستثمار والتجارة والعمل والتشغيل والضمان الاجتماعي والفلاحة والتنمية الريفية والسكن والعمران ورؤساء كنفدرالية الصناعيين والمنتجين الجزائريين والكنفدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية والكنفدرالية الوطنية لأرباب العمل الجزائريين والكنفدرالية الجزائرية لأرباب العمل ومنظمة النساء المقاولات والاتحاد الوطني للمقاولين العموميين وللمرة الاولى منتدى رؤساء المؤسسات الى جانب وفد عن الحكومة وممثل شركات تسيير مساهمات الدولة وجمعية البنوك والمؤسسات المالية وبنك الجزائر.