انتقد نواب المجلس الشعبي الوطني بشدّة مضمون المشروع المعدّل لقانون العقوبات في شقه المتعلق بالصحفيين، حيث استنكروا ما أسموه »محاولة تجويعهم بغرامات مالية مبالغ فيها« بعد الاستغناء عن »ترويعهم بعقوبة السجن«. وأعابوا على الحكومة استثناءها رفع التجريم عن الأئمة بعد تقديرهم أن ظروف فرض العقوبة كانت نفسها، إضافة إلى مطالبتهم بمراجعة آليات تحريك الدعوى في جرائم التسيير. تحوّلت جلسة مناقشة مشروع القانون المعدّل للأمر 66-159 المتضمن قانون العقوبات، التي جرت أمس الأول بالمجلس الشعبي الوطني، إلى ما يُشبه المساءلة التي واجه فيها وزير العدل حافظ الأختام، ومن ورائه الحكومة، وابلا من انتقادات النواب الذين تساءلوا عن الدوافع التي جعلت الجهاز التنفيذي يقرّ تعديلات غير مدروسة بخصوص إلغاء عقوبة الحبس عن الصحفيين لجريمة الإساءة إلى رئيس الجمهورية وكذا الإهانة والسب والقذف بالنسبة لبعض الهيئات مثل البرلمان والقضاء والجيش والمساس بسمعة الآخرين والطعن في شرفهم. وعلى هذا الأساس ذهبت زبيدة خرباش عن كتلة حزب العمال إلى حد الاستغراب من إقرار غرامة ب 75 مليون سنتيم ضد الصحفيين، واعتبرت أن هذا الأمر »يجعل من الصحفي دائما مدانا« خاصة وأنها أشارت إلى أن وجود من يتقاضى راتبا في حدود 15 ألف دينار شهريا، وبعد أن طالبت الحكومة بمراعاة الجانب الاجتماعي لرجال الإعلام علّقت على رفع التجريم عن الصحفي واستبداله بغرامة بأنه ينطبق عليه المثل القائل: »من الترويع إلى التجويع..«. ولم يختلف موقف النائب فيلالي غويني عن حركة الإصلاح عن سابقه وهو الذي قال إن الصحافيين بموجب التعديلات الجديدة »يُفضّلون عقوبة السجن على غرامة 75 مليون..«، مثلما أعاب تحميل الصحفي وحده مسؤولية المتابعة القضائية، وكان غويني أوّل من أثار استثناء الأئمة من رفع عقوبة التجريم لفرضها في نفس الظروف عندما هاجم الوزير بتصريحه: »لماذا لم ترفعوا التجريم عنه )الإمام( هل لأنه لم يخرج إلى الشارع أو لم تتحدث عنه المنظمات الحقوقية الدولية؟«، وطالب باتخاذ الخطوة نفسها مع »الحراقة«. وفي تقدير بوزيد بركاني عن كتلة »الأرندي« فإنه »إذا طُبّقت هذه الغرامة فإنه في ظرف ستة أشهر لن يبقى هناك أي صحفي في الجزائر«، فيما وصف إبراهيم قارعلي عن الأفلان هذا الموضوع ب »الخطير«، وانتقد في المقابل تبرئة ساحة الناشرين دون الصحفيين من المتابعة القضائية بقوله: »صحيح أن المسؤولية شخصية ولكن عندما يتعلق الأمر بالإعلام فإنه يجب أن تكون هذه المسؤولية مشتركة«. وأضاف المتحدّث الذي له تجربة في الحقل الإعلامي »إن الغرامة المالية ثقيل وثقيلة جدا لأن الصحفي غير قادر على دفعها..«. ولم يتوان قارعلي في تدخله في الاعتراف: »أتحدّث بلسان الصحفي: أنا أُفضّل أن أُسجن على أن أدفع هذه الغرامة المالية الثقيلة«، أما الطاهر عبدي عن كتلة »حمس« فقد توقع أن يضطر الصحفيون إلى الاستدانة أو الإفلاس حتى يتمكنوا من دفع الغرامة، قبل أن يتدخل زميله في الكتلة أحمد إسعاد مستنكرا عدم اعتماد مشروع القانون الذي تقدمت به المجموعة البرلمانية للحركة في 2008 لرفع التجريم عن الصحفي والإمام متسائلا: »ما الذي تغيّر خلال هذه الفترة؟«، وطالب بموجب ذلك بإدراج الإمام الموظف في القانون، فيما ركّز النائب نور الدين رغيس على وجوب مراعاة الجوانب الاجتماعية لرجال الإعلام قبل اعتماد أية غرامة. وعلى صعيد رفع التجريم عن فعل التسيير اعتبر النواب أن اقتصار تحريك الدعوى العمومية في مجال فعل التسيير بناء على شكوى من الأجهزة الموجودة تدخل الشركة في حال وجود تجاوزات »ليس إيجابيا لأن الأجهزة المعنية قد تكون متواطئة مع المسيرين«، وحسب ما ذهب إليه عبد القادر سماري فإن »أجهزة الشركة من مجلس إدارة وجمعية عامة ومفتشة قد تتعامل بالمحسوبية والتواطؤ الذي قد يكون بينها وبين المسيرين«، مقترحا إدراج تحريكها )الدعوى( من خلال أعضاء الشركة الذين يكونون على اطلاع على التجاوزات »لأن تحديدها في أجهزة المؤسسة العمومية قد يؤدي إلى التواطؤ والابتزاز«. وشدّد الكثير من النواب على أنه »لا يجب أن تتحوّل إلى رفع الحصانة عن المسيّر«، كما طالبوا بالإسراع في معالجة قضايا سوناطراك والطريق السريع شرق غرب التي توجد بين أيدي العدالة »حتى لا يبقى المسيرين الذين قد تثبت براءتهم في الحبس الاحتياطي كما حدث في قضايا سابقة«، ودعوا كذلك إلى »عدم الاعتماد على الرسائل المجهولة المصدر« في تحريك دعاوى قضائية من منطلق أن ذلك »سيحمي المسيرين من الحبس والمتابعة دون وجود أدلة دامغة«.