شمّاعة الصهيوني.. شمّاعة أمراض العرب! عنوان رسالة مختصرة وصلتني من إحدى المجموعات الإلكترونية المنتشرة في عالم الإنترنت.. جاء فيها: يمارسون عنصريتهم وطائفيتهم ضدك باسم الدفاع عن حقوقك وأرضك ومنعا لتحقيق المخطط الصهيوني! يمارسون القمع ضد شعوبهم باسم مقاومة المشروع الصهيوني! يتناحرون فيما بينهم لمصالحهم ويُخونون بعضهم البعض بتنفيذ المشروع الصهيوني! يستمرّ الحديث عن العرب من وجهة نظر كاتب الرسالة حيث يضيف: يقتلون بعضهم البعض ويتهمون العدو الصهيوني! يبرّرون جبنهم واستسلامهم بسبب التفوق الصهيوني! يبررون تخلّفهم عن الأمم بالتفرّغ لمكافحة المشروع الصهيوني! تنتقدهم وتعرّيهم فيتهمونك بالارتماء في الحضن الصهيوني! تشخّص أمراضهم وعيوبهم الوراثية فيعتبرونك صهيونيا كابرا عن كابر! هؤلاء هم العرب! نعم هؤلاء هم العرب على حد تعبير وتفكير صاحب الرسالة وغيره من الذين فقدوا أي بصيص أمل في أغلب النخب السياسية التي قادت العالم العربي خلال العقود الماضية، ووصلت به إلى هذه الدرجات المتدنية خاصة في ميادين الديمقراطية والحكم الراشد وحقوق الإنسان. نعم إن بعض ما جاء في الرسالة واقع عاشه عدد من الدول العربية التي تفنّنت حكوماتها في إنتاج شعارات المقاومة ودعاوى الصمود والتصدي للمشروع الصهيوني في المنطقة، وفي المقابل سياسات داخلية تأكل الأخضر واليابس في مجالات الحريات والحقوق والتنمية الحقيقية. هي رسالة صادقة لكن تداولها لم يعد له ذلك الوقع الكبير، في تقديري، لأن الزمن العربي برمّته في طريقه نحو تغيير جذري سواء شاء العرب الرسميون أم أبوا.. ومردّ ذلك ليس إلى القوى الكبرى ورغبتها في وجوه جديدة، أو إلى المؤامرة التي باتت أكبر من الحكومات العربية، أو أن دور كثير من الحكومات الموالية للغرب قد أكل عليه الدهر وشرب ولا مفرّ من استبدالها بغيرها.. بل لأن التغيير هو سنّة الحياة التي لا مناص لأحد منها سواء كان شرقيا أم غربيا، عربيا أم يابانيا، مسلما أم بوذيا. إن الحديث عن ذلك النوع من العرب ينبغي أن يكون من قبيل الحديث عن العرب البائدة، وهم، تاريخيا، تلك القبائل التي كانت تعيش في الجزيرة العربية منذ أقدم العصور، ثم اندثرت لسبب من الأسباب، وهاهي العرب البائدة المعاصرة تندثر أيضا لكن أسباب اندثارها صارت معروفة للخاص والعام. إن شمس هؤلاء (المساكين) في طريقها إلى الأفول، لكن رحيلهم يتم وسط ضباب كثيف بفعل وسائل المقاومة الشرسة التي يبديها هؤلاء وحاشيتهم لإطالة أمد (المجد الزائف) ولو قليلا، ومن هناك يمكن البحث عن بالوعات هروب أخفّ ضررا من غيرها. إن الضباب الكثيف في الأفق السياسي العربي قد تجمّع بعد إطلاق آخر سهم في كنانة هؤلاء البائدين العرب، وسهمهم المزعوم هو الضرب على وتر المقاومة والصمود وجهاد الصليبيين والغزاة الأجانب.. وهي مفارقة عجيبة وفتنة مريبة لأن حماة الديار والأعراض والأموال المفترضين هم أولئك الذين دمّروا مقومات الأمة، وأذلّوا شعوبها، وتعاونوا مع مشاريع الغرب سرّا وعلانية، وكانوا سدّا منيعا أمام مقاومة العدو الصهيوني. إنها لعبة مثيرة وسبق أن نالت إعجاب الجماهير العربية في حالات مشابهة كحالة صدّام حسين العراق، مع بعض الفوارق الجوهرية التي أملاها الزمان والمكان في وقت غزو الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا لبلاد الرافدين. إنها لعبة خطيرة ينبغي الانتباه جيدا لعواقبها لأن المقصود منها إطالة أمد الأزمات العربية عبر تحويل بوصلة الأحداث واتجاهات المعركة إلى طريق آخر.. فالقضية في الأساس هي شعوب آمنت بحقها في الحرية والعدالة والديمقراطية والحكم الراشد، لكن بعضها وقعت بشكل جزئي، على الأقل، في براثن المخططات الغربية ذات المرونة العالية والسرعة في التطبيق والتدخل والتفاعل مع مسارح الأحداث التي تمس مصالح الغرب بشكل مباشر. إنها محاولات يائسة لتضليل الشعوب من جديد عبر رفع شعارات المقاومة والممانعة، لكن الأمل معقود على جرعة الوعي المركّزة التي اكتسبتها الشعوب العربية فباتت عصية على أنماط الاستغباء والاستغفال، ولعل لسان حالها الآن يقول لبعض نماذج الزعماء البائدين: في وسعك أن تكذب على بعض الناس كل الوقت، وأن تكذب على كل الناس بعض الوقت، لكن (سابع المستحيلات) أن تكذب على كل الناس كل الوقت. فات الزمن يا سادة لأن القضية صارت واضحة كالشمس في رابعة النهار، فأنتم الذين مكّنتم للأجانب في بلداننا، وأنتم الذين خضعتم لشروطهم السياسية والاقتصادية، وأنتم الذين سطّرتم بخنوعكم واستسلامكم لسنوات طويلة سجلات قاتمة من المواقف السياسية التابعة للقوى الكبرى. إن مواقف اليأس التي يتفنّن العرب البائدون في إبداعها كثيرة، ولعل من أطرفها وآخرها حديث الرئيس السوداني عمر البشير عن الجمهورية الثانية بعد انفصال جنوب السودان.. أي جمهورية يا زول، كما يقول السودانيون.. إن الجمهوريات الأولى والثانية والثالثة والرابعة تقوم على سنّة تغيّر الأفراد والأحزاب وأنماط التفكير واستراتيجيات الأداء وتجديد الرؤى، أما أنت يا زول فما زلت في مكانك إن لم تتقهقر إلى الوراء. إذا أردت حقا جمهورية ثانية فقدّم نموذجا مشرّفا، وأعدْ بعث (عبد الرحمان سوار الذهب) من جديد، وسلّم السلطة لحكومة منتخبة.. وفي حفل التسليم يمكنك إعلان الجمهورية الثانية، كما أعلنت أمام العالم عن قيام دولة جنوب السودان. إن عربا أدركوا أنهم بائدون فأزاحوا أنفسهم بسلام ووئام؛ جديرون ببعض الاحترام رغم ما أثقلوا به الشعوب من مآسي سياسية واجتماعية.. قرار صعب دون شك لأولئك الذين اعتادوا على الكراسي والموائد والعواصم الغربية والشرقية.. لكنه سهل لو تخيّلوا أنفسكم مكان تلك النماذج العربية التي دفعت بها سنّة التغيير إلى مدافن التاريخ.