انتقد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة تعامل الضفة الشمالية من المتوسط بخصوص بعض القضايا والملفات ذات الطابع الاقتصادي، حيث أعاب عليها العلاقة التجارية البحتة التي لا تولي اهتماما سوى بتحقيق مزيد من المكاسب على حساب الضفة الجنوبية، وعليه اعتبر رئيس الجمهورية بأنه من المهم والضروري الانتقال إلى بناء شراكة متوازنة تعم فوائدها كل الفاعلين الاقتصاديين في ضفتي المتوسط. موقف الرئيس بوتفليقة من قضيا التعاون بين ضفتي المتوسط جاء في حوار خص به وكالة الأنباء الجزائرية أمس بالتزامن مع انعقاد قمة باريس للإعلان عن تأسيس الاتحاد من أجل المتوسط، وهو الحوار الذي أفاد فيه بأن الجزائر وغيرها من الشركاء تولي اهتماما بالغا للتعاون في مختلف المجالات وخص منها قطاع الطاقة، مشيرا إلى أنه تمت ترجمة هذه الرغبة "من خلال المشاريع المهيكلة الكبرى التي أطلقناها في اتجاه أوروبا..". وإذا كانت الضفة الجنوبية للمتوسط قد ساهمت، وفق تأكيد رئيس الجمهورية، في بروز سوق أورو متوسطية قائمة بطبيعة الحال على تأمين التموين وإنما كذلك على تأمين الطلب، فإن بوتفليقة لاحظ بأن العلاقة بقيت على حالها على أنها علاقة تجارية بحتة، وهو ما جعله يشدد بوجوب الانتقال نحو مرحلة تتجسد فيها شراكة حقيقية على أساس إبرام اتفاقيات شاملة تتيح، حسبه، ظهور شراكة متوازنة. وقال بوتفليقة بأن هذا التعاون يمكن أن يتوسع ليشمل كذلك مجال الطاقات الجديدة والمتجددة، مركزا على الطاقات الشمسية التي اعتبرها بمثابة البديل المهم بالنظر إلى التقدم المسجل في إنتاج الطاقة الكهربائية الشمسية، مضيفا أنه من هذا المنظور سجلت الجزائر بارتياح إدراج مخطط شمسي متوسطي في مقدمة أوائل مشاريع الاتحاد من أجل المتوسط. ولدى حديثه عن التنمية الاقتصادية فإن الرئيس بوتفليقة اعترف بتفاقم الفوارق بين ضفتي المتوسط بعد مرور أكثر من 13 عاما من الإعلان عن مسار برشلونة، حيث لاحظ تناقض حجم الاستثمارات المباشرة مع الإرادة السياسية التي أبدتها الحكومات، حيث أورد أنه تم تخصيص 2 بالمائة فقط من الاستثمارات الأوروبية لمنطقتنا في حين توجه 17 بالمائة من الاستثمارات لأمريكا اللاتينية كما تخصص اليابان 20 بالمائة من استثماراتها لقارة آسيا. وفي رده على سؤال متعلق بمسألتي الماء والأمن الغذائي قال الرئيس بوتفليقة بأن الشراكة الأورو متوسطية قد أولت منذ إطلاقها مكانة مميزة لها، ويقصد هنا المياه التي أشار إلى أنه "يجب أن نحلها ضمن أولويات التعاون بين الاتحاد الأوروبي وشركائه المتوسطيين" خاصة عندما اعتبر بأن الوصول إلى ما أسماه "هذا المورد النادر والثمين" بالنسبة لبلداننا بمثابة التحدي المشترك وواحد من الأهداف الإنمائية للألفية. وشرح رئيس الجمهورية معاناة منطقة جنوب المتوسط من هذه الأزمة باعتبار تسجيلها أدنى معدل من المياه الموفرة لكل فرد، ليلفت النظر من جانب آخر إلى المفارقة التي تسجل هنا لأن المنطقة تسجل أعلى معدل لاستعمال كافة الموارد الكامنة من المياه العذبة، إذ أن هذه الإشكالية، يتابع بوتفليقة، ازدادت تعقدا بسبب آثار التدهور المناخي التي ظهرت بوادره، "إذ أنها تترادف مع ارتفاع الطلب على المياه العذبة في غضون السنوات المقبلة. وهذا الوضع ينم عن أعراض مخيفة من مثل النزاعات والاضطرابات الاجتماعية والتصحر وغير ذلك من العوامل التي تنذر بأزمة قد تزداد حدة ما لم يوجد لها حل مناسب وشامل وتضامني". وبموجب ذلك أكد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بأنه ينبغي القيام عاجلا بتفكير جماعي على الصعيدين الوطني والإقليمي قصد التخفيف من آثار هذه الأزمة الوخيمة، مقترحا تبني مقاربة عقلانية في تسيير الموارد المائية بما يتماشى والحاجات الحقيقية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية لبلدان الضفة الجنوبية من المتوسط. وتحدث بوتفليقة عن الخبرة الكبيرة لبلدان أوروبا في هذه المجالات معتبرا إياه مكسبا أكيدا في إنجاح البرامج التي ستنفذ لفائدة المنطقة الجنوبية، حيث قال في هذا الشأن "فبغض النظر عن النتائج المنتظرة من حيث توفير الماء الشروب، يجب في نظري أن يأخذ عملنا في الحسبان آثار الأزمات المائية على العالم الفلاحي من خلال تبني طرق فلاحية جديدة بغية اقتصاد الماء". كما ربط بوتفليقة مسألة توفر المياه بمسألة الأمن الغذائي الذي قال إنه ازداد تدهورا في الفترة الأخيرة مخلفا بعض الآثار التي لا تخفى خطورتها، حسبه، على أحد لا على الصعيد الاقتصادي ولا على الصعيدين السياسي والأمني، مشيرا إلى الارتفاع السريع في أسعار المنتوجات الغذائية كنتيجة للاختلال بين المنحى الديمغرافي العالمي وتوفر المنتوجات الغذائية في العالم.