طرحت العمليات الإرهابية التي نفذتها زمر تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي بوسط البلاد، وبمنطقة القبائل تحديدا، خاصة التفجيرات الانتحارية، تساؤلات جديدة عن خلفيات ما قد يصفه البعض بمحاولات للتصعيد الأمني خلال شهر رمضان، وحول جدية الإجراءات الأمنية المعتمدة ببعض المناطق وهل هي كافية لتفادي عودة المجموعات الإرهابية بالوضع الأمني إلى مربع البداية. تصاعد وتيرة العمليات الإرهابية خلال الأيام الأخيرة خصوصا بمنطقة القبائل، دفعت بالمهتمين والمختصين في الشأن الأمني إلى بناء استنتاجات متناقضة حول حقيقة ما هو الحاصل في الميدان، هل يتعلق الأمر حقيقة بتصعيد أمني، وهو الهدف الذي تريد المجموعات الإرهابية النشطة تحت لواء تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي الوصول إليه، أم أن الأمر لا يتجاوز مستوى السعي إلى تحقيق صدى إعلامي لتوجيه رسائل إلى الداخل والخارج لتأكيد الوجود، علما أن تكثيف الكتائب الإرهابية بوسط البلاد من نشاطاتها يرتبط بشكل أو بآخر بنشاط القاعدة الأم التي تحاول تسجيل أهداف منذ فترة، حتى وإن كانت العلاقة العضوية بين جماعة عبد الملك درودكال وتنظيم القاعدة الأم لم تتأكد بعد بإجماع كل المختصين في الشأن الأمني. فمن الجانب الإحصائي هناك من دون أدنى شك تصاعد لوتيرة الاعتداءات التي يقوم بها الفرع المغاربي للقاعدة، وهناك أيضا محاولات لإحياء إستراتيجية التفجيرات الانتحارية، و هو ما يثير مخاوف جدية لدى البعض من احتمال تدهور الوضع الأمني ببعض المناطق، وعودة هاجس الخوف، خاصة وأن الاعتداءات المسجلة جاءت بعد فترة تراجع فيه النشاط الإرهابي إلى الحدود الدنيا. لقد نجحت قوات الأمن فجر أول أمس الثلاثاء في إبطال مفعول قنبلتين بالبويرة وضعت الأولى بالقرب من مدخل مقر ولاية البويرة، والثانية بمحيط مقر الأمن الحضري الثاني، ووردت العديد من البلاغات بوجود عبوات ناسفة في كل من حي 1100 مسكن وبالقرب من المعهد الوطني للتكوين المهني بحي ذراع البرج، ورغم فشل المجموعات الإرهابية في تنفيذ اعتداءاتها، إلا أن ذلك لم يمنع من عودة الرعب إلى بعض أحياء البويرة التي كانت قد عرفت عمليتين انتحاريتين في 2008، استهدفت الأولى مقر القطاع العسكري العملياتي بالبويرة، والثانية استهدفت حافلة نقل عمالا جزائريين يعملون لدى الشركة الكندية »لافالان«، وكانت سنتي 2007 و2008 حالكة على سكان البويرة التي سجل فيها العديد من التفجيرات الانتحارية مخلفة عدد كبير من الضحايا. واللافت أن تفكيك قنبلتين بالبويرة جاء سويعات فقط من هجوم إرهابي بالأسلحة الأوتوماتيكية بحي وادي عيسي بتيزي وزو، وبعد عملية انتحارية استهدفت مقر الأمن بوسط المدينة وخلف 33 جريحا من بينهم ثمانية من عناصر قوات الأمن، كما جاءت أيضا بعد أيام فقط من تفجيرين انتحاريين ضربا وسط مدينة برج منايل شرق مدينة بومرداس وخلفا ضحايا وسط قوات الشرطة والمدنيين، وتفجير سيارة بالثنية بولاية بومرداس، كانت تقل ثلاثة إرهابيين، كانوا، وحسب مصادر أمنية، متجهين إلى العاصمة لتنفيذ عملية انتحارية. والمعروف أن العمليات الإرهابية تتزايد خلال فصل الصيف لاعتبارات كثيرة مرتبطة بسهولة الحركة و القدرة على التموين، كما أن شهر الصيام يعتبر مناسبة للرفع من حدة الاعتداءات التي تصبغ بصبغة دينية، وهو ما يفسر تصاعد العنف الإرهابي في شهر رمضان مقارنة بباقي أشهر السنة الأخرى، وإن كان لا مجال للمقارنة بين النشاط الإرهابي خلال شهر الصيام في السنوات الأخير، وما كان عليه الحال في عز الأزمة، سواء من حيث عدد الهجمات أو عدد الضحايا. ويبدو أن فصل الصيف أو شهر الصيام لا يفسران لوحدهما سبب محاولات التصعيد الإرهابي الأخيرة، فاستفادة تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي من الأزمة بالليبية، حسب اعتقاد الكثير من المختصين، قد تفسر تصاعد العنف الإرهابي بوسط البلاد، وقد سبق لمصادر أمنية أن كشفت عن وصول أسلحة ومتفجرات لمعاقل جماعة عبد الملك درودكال بمنطقة القبائل قادمة من ليبيا، كما أن قوات الأمن أفشلت العشرات من محاولات تهريب السلاح من ليبيا نحو الجزائر أو منطقة الساحل، ومؤخرا فقط ألقت القبض على ثلاثة ليبيين من بينهم إمراة يعتقد أنها زوجة لأحد أمراء إمارة الصحراء التابعة للفرع المغاربي للقاعدة، كانت بحوزتهم متفجرات شديدة المفعول تستعمل عادة في الهجمات ضد المدرعات الثقيلة. وفضلا عن ذلك فإن الصدى الإعلامي لا يكفي وحده لتفسير مسلسل الاعتداءات الإرهابية الأخيرة، وفي اعتقاد الكثير من المراقبين والمختصين في الشأن الأمني فإن محاولات التصعيد الإرهابي تندرج ضمن سعي المجموعات الإرهابية لفك الخناق عن معاقلها، خاصة وأن المناطق التي تحتضن معاقل تنظيم القاعدة ببلاد المغرب وتعرف تحركات للمجموعات الإرهابية تشهد منذ بداية شهر رمضان عمليات تمشيط تقوم بها وحدات من الجيش ومختلف الأسلاك الأمنية الأخرى. ويطرح بعض المهتمين أسئلة جدية حول احتمال عودة تنظيم القاعدة إلى إستراتيجية التفجيرات الانتحارية، وينطلق هذا التخوف من استنتاج مفاده بأن جماعة درودكال تخلت عن العمليات الانتحارية لأسباب تكتيكية وأخرى مرتبطة بالآثار السلبية التي تخلفها هذه الاعتداءات على اعتبار أن جل ضحاياها من المدنيين العزل، والواقع أن التنظيم الإرهابي لم يتخل عن إستراتيجية التفجيرات الانتحارية، بل كان مضطرا للبحث عن بدائل لها، بعد الفشل الذي منيت به الكثير من العمليات، فاعتماد خطة أمنية صارمة، والتركيز بشكل اكبر على الجانب الاستخباراتي، وتشكيل كتائب أمنية خفيفة ومدربة مختصة في ملاحقة الخلايا الانتحارية، وتفكيك عدد كبير من مجموعات الرصد والدعم والإسناد اللوجستي، فضلا عن وضع أحزمة أمنية حول المدن، وتعزيز التواجد الأمني أمام المقرات الأمنية والمدنية، ساهم كل ذلك في فشل إستراتيجية العمليات الانتحارية وحتى تلك التي نفذها التنظيم الإرهابي سواء ببرج منايل أو تيزي وزو تعتبر فاشلة بالاعتماد على المعيار الأمني، حتى وإن نجح التنظيم الإرهابي في إيصال السيارات المفخخة إلى الأهداف المحددة.