أضحت خطوط الطول وخطوط العرض في العصر الراهن في أضيق الحدود، فأية مشكلة تنشب في أي مكان يتأثر بها العالم أجمع، وحماية البيئة لم تعد مسألة متعلقة بدولة دون أخرى، وليس المقصود هنا حماية البيئة من التلوث فقط، فالمقصود هو وضع حد لهستيريا العلوم وتقلبات التكنولوجيا الجارية في كل مكان، حيث باتت الكرة الأرضية ميدان عملهما الواسع بما يهدد البشرية جمعاء في أخطر ظاهرة لم يعرفها أحد من قبل اسمها: ظاهرة الاحتباس الحراري. هذا كله.. ويأتي العبث ويتواصل العمل على تخريب المخلوقات البشرية نفسها مع تنامي إنتاج الأسلحة الهيدروجينية والنووية والجرثومية. وهذا ما يفرض ضروريات إيجاد جسم دولي فاعل ذو قدرة تنفيذية بما يمتلكه من آليات ليضع حدا للخطابات السياسية الفارغة والثرثرات على الموائد المستديرة المنتصبة الآن في أروقة الأممالمتحدة، أو ما جرى في عصبة الأممالمتحدة سابقا. هذا الجسم الدولي الفاعل هو الكفيل بإيجاد نظم أكثر إنسانية لإدارة "أعمال العنف" التي تسود كوكب الأرض.. وينطلق السؤال من جديد بينما يتنبأ المفكرون بانهيار الزعامة الاقتصادية الأمريكية للعالم! ولماذا التنبؤ بانهيار الزعامة الاقتصادية الأمريكية للعالم؟ لا ينكر أحد قوة أمريكا على معاودة النهوض واستعادة زمام المبادرة العالمية في أية لحظة بما يجعل التنبؤ بانهيار محتمل وليس انهيارا مطلقا كما يتوقع المفكر الفرنسي جاك اتالي صاحب كتاب "خطوط أفق عالمي جديد" حين يضع يده على الأسباب بتفصيل مختصر ليصل بنا إلى النتيجة المتوخاة: أمريكا تنفق كثيرا.. وتوفر قليلا.. ولا تلجأ إلى مراقبة التكنولوجيا المستقبلية ولا تنتبه لمخاطرها.. وظلت العاجزة عن الاستثمار الكامل لطاقاتها.. وفوق هذا وذاك: أهملت الولاياتالمتحدةالأمريكية هذا القطب العالمي الأوحد.. المستوى الثقافي وتخلت عن القيم التربوية المكملة لأي بناء حضاري متواصل، فالانهيار مكتوب على زعامة أمريكا سواء كان التنبؤ حتميا أم مطلقا، لا يهم..!. هو انهيار اقتصادي.. في حالة موت موضعي تموت فيه روح الزعامة المهيمنة تجاوبا مع حتمية تاريخية لا تقبل الجدل، ويبقى زمن الموت أو مسافات الوصول إليه يتحدد ببلوغ المتناقضات ذروتها إيذانا ببدء خاتمة الانتهاء..