كثرت التكهنات بخصوص التشريعيات وكثرت معها أحاديث جانبية عن المصير الذي يريده البعض للأفلان. والغريب أن هذه التخمينات التي لا تستند على أي أساس وتدخل ربما في باب »قراءة الفنجان«، تتحدث باسم الشعب الجزائري، وتبشره بمستقبل شبيه بما هو حاصل في بعض البلدان العربية التي اعتلى إسلاميوها البرلمان والحكومة، ولم يسأل أحد من هؤلاء الذين أصبحوا يحترفون »الشعوذة السياسية« هل الجبهة التي حررت الجزائريين من الاستعمار ورسمت معالم التحول الديمقراطي من دون إراقة دماء الذين خرجوا إلى الشوارع للاحتجاج على وضعهم الاجتماعي منذ جانفي من العام المنصرم هي شبيهة بأحزاب المستبدين عند بعض العرب؟. أمين عام الأفلان عبد العزيز بلخادم قال ن الجبهة لا تخاف من اعتماد أحزاب جديدة، وأنه لا الديمقراطيين ولا الإسلاميين يزايدون على الحزب العتيد، وهذه حقيقة يعلمها الجميع، وهناك أكثر من دليل بأن حتى هذه الأحزاب المعارضة تدرك طبيعة الامتداد الشعبي للأفلان. ولنطرح السؤال على الذين اختاروا لمشاريعهم الحزبية تسميات تكاد تكون متطابقة مع تسمية الجبهة، مع أنه كان بإمكانهم أن يختاروا ما شاء الله من الأسماء الأخرى، فلو كانوا يعلمون بأن الشعب الجزائري ينفر من الأفلان لما حاولوا استنساخ حتى اسمه طمعا في أن يلتبس الأمر على الناخبين فيدلوا بأصواتهم لتلك الأحزاب اعتقادا منهم بأنهم يصوتون على الجبهة. لقد بدا واضحا أن البعض يريد تقديم الأفلان قربانا لإقناع الخارج بأن الجزائر اصطفت مع دول »الربيع العربي« طواعية، بل هناك من رأى في إزاحة هذا الحزب من الساحة السياسية ممر إلزامي لبلوغ هدف الإصلاحات حتى تمهد الطريق أمام وصول الإسلاميين »المعتدلين« إلى الحكم فيتركوا بعض الفتات لتشكيلات ألفت العيش في حضن السلطة، وقد تضاعف خوفها من أن تسحقها التغييرات القادمة التي لن يكون فيها أي مكان للمحاصصة، ولتقديم هبات لتشكيلات سياسية لا وجود لها إلا على الورق. لماذا لا يتحدث هؤلاء الذين يبشرون بفناء الأفلان وإحالته على المتحف، ويجتهدون لإيجاد مبررات هذا الإقصاء الظالم للجبهة من الخارطة السياسية، عن الضمانات الكثيرة التي تم توفيرها لصد أي محاولة لسرقة أصوات الناخبين خلال التشريعيات المقبلة، ولماذا لا يركز هؤلاء نقاشهم حول المشاركة المكثفة في الاقتراع القادم حتى تتضح الرؤية ويسمح للناخبين بأن يغربلوا الساحة السياسية ويخلصوها من أشباه الأحزاب التي وجدت ليس للنضال والمغالبة والسعي المشروع لبلوغ السلطة من خلال التنافس عبر البرامج وكفاءات الرجال، وإنما لأن يقتات أصحابها على فتاة الموائد في المناسبات السياسية المصيرية. لقد أثبت الأفلان حتى خلال مرحلة الحزب الواحد أنه ليس حزب تسلط واستبداد، فمن عاصر تلك الفترة يتذكر طبيعة النقاش الذي كان يميّز جلسات البرلمان أو حتى المجالس المحلية المنتخبة، خاصة عند عرض المشاريع السياسية الحساسة، وقد أثبت أيضا أنه جديرا بالاحترام لما قاد البلاد نحو التعددية ودفع ثمن مواقفه الرافضة للإقصاء في منتصف التسعينيات، وسرقت أصواته عنوة في محليات وتشريعيات 97 وهذه حقيقة لا يمكن لحد أن ينكرها، ولن نتحدث عن مهمة التحرير التي أنجزها وعن مواقفه في الذود عن مصالح البلاد، ونتحدث فقط عن الممارسة الديمقراطية، فالحزب الذي غير قياداته مرات عددية في وقت حكمت أحزاب تسمي نفسها ديمقراطية أو إسلامية من قبل زعامات »تسمرت« على مناصبها لأكثر من عشريتين ومارست »الزبر« في أبشع صوره ضد قيادات ومؤسسين، لا يمكن أن يتهم بأنه حجر في وجه الإصلاح والانتقال الديمقراطي، وبالعكس يجب أن يعظم ويشكر، ويبقى أن نقول بأن الجزائريين هم وحدهم من لهم الحق في إقصاء من الساحة السياسية من يريدون إقصائه،عبر الصندوق الشفاف بعيدا عن كل أشكال التدليس والتزوير.