يؤشر الانفتاح السياسي إلى بروز العديد من الأحزاب ذات توجهات ومرجعيات مختلفة، لكنها تتقاسمها في نفس الوقت مع تشكيلات حزبية قديمة ومتجذرة، وفي هذا الإطار ظهر تساؤل عن حظوظ كل تيار من التيارات المتواجدة في الساحة ومنها بالأخص التيار الوطني على خلفية كونه أحد أعمدة الحكم في الجزائر سواء قبل التعددية أو خلالها، فما هو وزن أحزاب التيار الوطني في الساحة، وأي حظوظ لها في الانتخابات المقبلة؟. شكل التيار الوطني على مر العقود الماضية أحد أهم الأعمدة السياسية للسلطة في الجزائر سواء في عهد الأحادية الحزبية أو في عهد الانفتاح السياسي وما ميزه من تعددية حزبية اختلفت من حيث مرجعياتها وخطاباتها وأدوات عملها. إلا أن التيار الوطني ظل رقما صعبا في المعادلة السياسية في البلاد، سواء من خلال اعتماده على الشرعية الثورية ومرجعياتها المتمثلة أساسا في بيان أول نوفمبر، أو من خلال تجذره في المجتمع، وفي كل الفئات الاجتماعية من فلاحين وعمال وشباب وشيوخ، المثقفين والإطارات وغيرهم، مما جعل هذا التيار يكتسي وزنا خاصا في وجدان المواطن والناخب على وجه الخصوص، سيما وأن ما تسمى بالأسرة الثورية التي ترعرعت في حضن جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني، تجد نفسها بعد عقود طويلة مضطرة للاحتماء بالتيار الوطني كواجهة سياسية لا بديل عنها رغم تعدد الأحزاب. وبالعودة إلى التيار الوطني، فهو يتشكل اليوم من عدة أحزاب، ولكن تبقى جبهة التحرير الوطني القاطرة الرئيسة والمحرك الأساسي لهذا التيار، لما لها من شرعية تاريخية جعلتها تضرب بجذورها في كل مناطق البلاد، في كل فئاته، ومختلف مؤسساته الدستورية والاجتماعية والاقتصادية والمهنية، كما يدور في فلك جبهة التحرير الوطني العشرات من تنظيمات المجتمع المدني. وقد خلق هذا الوضع التنظيمي والهيكلي لجبهة التحرير علاوة على الإرث التاريخي الذي تحوزه، موقعا متقدما في الساحة السياسة لم يتأثر رغم وجود العشرات من الأحزاب التي تستند إلى مرجعيات إسلامية أو ديمقراطية أو حتى تلك التي ولدت من أضلع جبهة التحرير الوطني وتنتمي إلى التيار الوطني نفسه. وفي هذا السياق نجد التجمع الوطني الديمقراطي وهو الحزب الوليد من رحم الجبهة، يتمتع أيضا بمكانة مميزة في الساحة مقارنة بباقي الأحزاب الأخرى لكنها- المكانة- لم ترق لتنافس الآفلان في مكانته التقليدية. ويعتقد مراقبون أن التيار الوطني بحزبيه، الأفلان والأرندي، يشكلان وعاء انتخابيا كبيرا ضمن الكتلة الناخبة، ويحظى هذا التيار بتواجده في مختلف مناطق الوطن فضلا عن إمكانياته المادية والبشرية والخبرات التنظيمية التي اكتسبها عبر عقود من الممارسة، مما يؤهله للعب أدوار متقدمة في أي استحقاق سياسي، شريطة أن تتمكن أحزاب هذا التيار من تحريك وعائها الانتخابي المعروف عنه اللامبالاة وضعف الولاء، جراء عدة عوامل، كما يطرح نفس المراقبين مخاوف من احتمال تشتت الكتلة الناخبة للأحزاب الوطنية بعد ظهور أحزاب جديدة من نفس المرجعية، منها الجبهة الوطنية الجزائرية التي تحوز على مقاعد في البرلمان الحالي، وظهور حزب عبد العزيز بلعيد الذي أسس »جبهة المستقبل« وكذلك حزب »الفجر الجديد« للأمين العام الأسبق لأبناء الشهداء الطاهر بن بعيبش، وكل هذه الأحزاب تتنافس على كتلة ناخبة محددة. وتبرز المعطيات التي أفرزها المشهد السياسي القائم، أن الاتجاه العام يؤكد قوة هذا التيار ميدانيا، وقدرته على الحفاظ على مكانته أو على الأقل الوقوف في وجه التيار السياسي المتصاعد.