جاءت القوائم النهائية التي سيدخل بها الحزب العتيد تشريعيات العاشر ماي القادم مفاجئة للبعض ومربكة للبعض الآخر، لكن ما لا يختلف عليه اثنان هو أن الأفلان قد قام بقراءة المشهد السياسي في الجزائر بشكل عميق وحاول التعامل مع هذه التحولات بقرارات جريئة ومدروسة، من خلال المزاوجة بين فتح المجال بشكل كبير أمام الإطارات الجديدة وأخرى شابة لتصدر قوائم الكثير من الولايات المهمة والمحافظة على بعض الكوادر التي لها ثقلها السياسي والانتخابي ليدخل الحزب السباق التشريعي الذي لن يكون سهلا بتوليفة بين حنكة وخبرة بعض الكوادر المعروفة وفسح المجال أمام دماء جديدة تضخ في شريان الجهاز الانتخابي للحزب العتيد. حرصت قيادة الحزب العتيد منذ البداية على توخي السرية التامة في إعداد القوائم، لأنها تعلم تماما أن حزبا بقامة وهامة الأفلان ستكون عرضة للدسائس والأقاويل والتضليل وهو ما حدث بالفعل، فبالرغم من السرية التامة، إلا أن الحزب تعرض لحملة تشويه وتضليل غير مسبوقة من خلال تقارير وتحاليل صحفية وسياسية أغلبها لا يستند إلى منطق أو واقع وهو الأمر الذي زاد من الضغوط المفروضة على قيادة الحزب، خشية أن يقع تململ في صفوف القواعد النضالية والكوادر الذين قدموا أوراق ترشحهم للانتخابات وهو الأمر الذي نجحت قيادة الحزب في إدارته بحنكة واقتدار من خلال امتصاص الحملة الإعلامية الشرسة بمزيد من الاحترافية والاتصالية، حيث لم تقع في فخ الضغط الإعلامي واستمرت في أداء واجبها في سرية وتكتم شديدين. ومعلوم أن المكتب السياسي بقيادة الأمين العام عبد العزيز بلخادم كان واضحا منذ البداية قبل حتى اقتراب موعد الانتخابات في التعاطي مع مشروع الإصلاحات السياسية التي أطلقها رئيس الجمهورية والتي كان أهم ركائز هذا المشروع هو ضخ دماء جديدة في الحياة السياسية في الجزائر عن طريق فسح المجال أمام الكوادر الشابة تدريجيا لتستلم زمام المبادرة، ولأن قيادة الحزب العتيد تدرك جيدا أن البلاد تمر بمرحلة حساسة ودقيقة وهي لا تحتمل أي مغامرة أو قرارات غير محسوبة ومن هنا كانت رؤية جبهة التحرير هو التغيير السياسي التدريجي والهادئ عن طريق الاستفادة من خبرات وحكمة وحنكة الإطارات القديمة لتقديم المشورة والرأي من جهة وإتاحة الفرصة للشباب لتسلم مناصب قيادية حزبية وتنفيذية لأنهم الأدرى والأعرف بشؤون جيلهم ومرحلتهم وهذا العامل كان من الاعتبارات الجوهرية التي اعتمدتها قيادة الأفلان في وضع قوائم الترشيحات لقوائم التشريعيات المقبلة. ولعلّ أهم اعتبارين أساسيين اعتمدتهما قيادة الحزب العتيد في إعداد القوائم، هو أولا جعل مصلحة الوطن والدفع بإصلاحات الرئيس قدما فوق كل اعتبار ومن هنا جاء رهان الأفلان على عنصر الشباب من خلال ضخ دماء جديدة على رأس قوائم الحزب العتيد والاعتبار الثاني مراعاة خصوصية حزب جبهة التحرير الوطني من كونه القوة السياسية الأولى في البلاد وبالتالي من المهم دراسة كل قرار سياسي وحزبي بما يخدم أيضا المحافظة على ريادة الحزب العتيد على هذه المكانة ومن هنا جاء القرار بالدفع ببعض كوادر الحزب المعروفين على رأس قوائم بعض الولايات وقد كانت المسألة مثلما أكدته قيادة الحزب تقديرية توافقية داخل المكتب السياسي مراعاة لما يخدم مصلحة البلاد أولا والحزب ثانيا. وقد كان قرارا جريئا جدا حين أعلنت قيادة الحزب أنها لن تدفع بجميع أعضاء المكتب السياسي والوزراء إلى السباق التشريعي، إلى جانب منح الأولوية في الترشيح لوجوه جديدة على حساب الوجوه النيابية التي سبق لها خوض التجربة البرلمانية لأكثر من عهدتين باستثناء بعض الكفاءات التي يحمل وجودها إضافة للمؤسسة التشريعية، كما وقد انتهى الأمر بالأفلان بترشيح أربعة من وزرائه فقط من أصل 15 وزيرا وهم الطيب لوح على رأس قائمة تلمسان وعمار تو في ولاية سيدي بلعباس ورشيد حروابية في سوق أهراس وموسى بن حمادي ببرج بوعريريج والاعتبار الوحيد في هذا القرار كان مراعاة أن الحزب يجب أن لا يغامر في انتخابات حساسة مثل التشريعيات القادمة من دون أن يكون في السباق كوادر لهم تجربتهم وحنكتهم من جهة وثقلهم السياسي والانتخابي من جهة أخرى. ولفهم منطق وفلسفة الحزب العتيد في التعامل مع موضوع الترشح للانتخابات القادمة يمكن العودة إلى البيان الإعلامي للمناضل والقيادي في الحزب العتيد عبد العزيز زياري الرئيس الحالي للغرفة البرلمانية السفلى وهو يعلن عدم ترشحه للانتخابات القادمة، فقد كانت كلمة موجزة وعميقة اختزل فيها رسالة الأفلان ودوره في الحياة السياسية ورهاناته في المرحلة المقبلة.