إضافة إلى العوامل الكلاسيكية المؤدية إلى نشوب الحروب مثل البترول والنووي فإن عامل نقص المياه سيكون له ثقله وسيتسبب في حدوث نزاعات وحروب بين دول العالم في الفترة المستقبلية، هذا ما يؤكد عليه إستراتيجيون وخبراء وهم يدعون الآن الحكومات الغربية من أجل العمل لتفادي ما سيحصل. عبد الكريم تفرقنيت * تولي جمعيات بريطانية غير حكومية، خيرية وبيئية خلال العام الجاري، اهتماما كبيرا بمشكلة نقص المياه في العالم، وقد انعكس الضغط الذي يشنه المجتمع المدني على السلطات الرسمية حيث بدأت بريطانيا تدق ناقوس الخطر حول نقص المياه واشتدت الحملة منذ اليوم العالمي في مارس الماضي الذي احتفل به المجتمع المدني البريطاني بطريقة مغايرة للسنوات الماضية حيث تقدم تحالف يضم 27 من المؤسسات الخيرية بنداء إلى رئيس الوزراء البريطاني "غوردون براون" طالبوه فيه بأن يتحرك لتوفير المياه إلى ما يزيد عن 1.1 مليار شخص يعانون من شح المياه في العالم، ودعوا إلى ضرورة وقف التنافس على المياه الذي سيؤدي إلى زعزعة استقرار المجتمعات وهذا ما قد يتطور إلى صراعات ونزاعات في كثير من مناطق العالم. اهتمام بريطاني غير مسبوق وفي هذا السياق تسجل الحكومة البريطانية في إستراتيجيتها الأمنية أنه "يوجد حاليا أكثر من مليار شخص يعانون نقصا في المياه، وهناك 30 دولة تحصل على أكثر من ثلث احتياجاتها من المياه من الخارج، ومع التغير المناخي سيرتفع العدد وربما يتطور الأمر إلى نزاعات"، وتقول الإستراتيجية "إن التغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة يزيد من الضغوط على مصادر المياه في الوقت الذي يزيد فيه سكان العالم ويزيد الطلب على المياه". وبرؤية استكشافية كتبت جريدة "اندبندنت" البريطانية وفقا لمؤشرات وزارة التنمية الدولية البريطانية أن "ثلثي سكان العالم سيعيشون في دول تعاني مشاكل في توفير مصادر كافيه من المياه بحلول عام 2025". وفي هذا الموضوع قال وزير التنمية الدولية البريطانية جاريث توماس "إن العالم يواجه إمكانية اندلاع حروب في المستقبل بسبب نقص المياه"، وجاء تحذير الوزير في شكل دعوة للتحرك من أجل تفادي ما قد يحدث في السنوات المقبلة، وتتفق هذه الأطروحة مع أطروحة مجموعة الثماني الداعية إلى أن "الحاجة ملحة لتقليص عدد غير القادرين على الوصول إلى مصادر مياه الشرب النظيفة إلى النصف بحلول عام 2015 وذلك من أجل تحقيق أهداف التنمية الألفية". لكن شارلي كرونيك، المستشار المعروف لجماعة "السلام والخضر" الدولية ينظر إلى المسألة نظرة تشاؤمية فهو يقول إن" كل إفريقيا جنوب الصحراء وأغلب جنوب آسيا وغربي أمريكا الجنوبية تواجه خطر نقص المياه إذا استمر التغير المناخي وارتفاع درجة. حرارة الأرض"، وبالنسبة له فإن "ذلك يعني وجود ما يتراوح بين 2 و3 مليار شخص يعانون نقصا في المياه وهذا أمر خطير للغاية". لا شك أن الاهتمام البريطاني بموضوع نقص المياه في هذا الظرف بالذات له أسبابه وعوامله ومدلوله الخاص، فكل دولة غربية كبرى لها اهتمامها الذي لا تحمل فقط الجوانب الإنسانية بل تتداخل معه جوانب أخرى متعلقة بالبراغماتية ومصلحة تلك الدولة ومناطق نفوذها ومجالات تبادلاتها التجارية والاقتصادية.. وبريطانيا تكون قد اختارت التحذير من سلبيات نقص المياه كأحد الاهتمامات المهمة التي ستركز عليها في المرحلة المقبلة. إسرائيل "تشفط " المياه العربية موازاة مع هذا يبدو أن الاهتمام العربي بالموضوع منكب على الواقع المحلي لا غير، فمعظم الدول العربية تشكو من مشكلة نقص المياه الجوفية وهي تعتمد على تحلية مياه البحر وسياسية ترشيد الاستهلاك، ورغم أن التركيز العربي على الحروب القادمة حول الماء غير كبير لكنه ليس منعدما فقد قرأت تصريحا للنائب خميس حمد الرميحي، وهو رئيس لجنة المرافق العامة والبيئة بمجلس النواب البحريني، يعطي اهتماما بارزا ويقول "إن الحروب القادمة ستكون حروبا على المياه". المعروف أن المنطقة العربية والشرق الأوسط على الخصوص عانت من نزاعات عديدة مع إسرائيل بسبب المياه، وكون المنطقة متميزة بأنهار حدودية وآبار جوفية مشتركة، وهي العامل الذي يؤدي إلى نزاعات بين الدول في غالب الأحيان كون بعضها ترفض تقاسم المياه وتفضل الاستحواذ عليها مثل إسرائيل التي احتلت الشريط الحدودي في جنوب لبنان لمدة 22 عاما لأنه يضم نهري الحاصباني والوزاني. وتتهم الدولة العبرية لبنان بتحويل مجرى النهر الأول وضخ مياه النهر الثاني الذي يصب في نهر الأردن الذي يصب بدوره في "بحيرة طبرية" وهي الخزان الأساسي للمياه في إسرائيل، والمعروف أن هذه البحيرة تقع في هضبة الجولان السورية المحتلة من قبل إسرائيل مما جعل النزاع حولها يمتد إلى هذا البلد التي احتلت الدولة العبرية هضبته منذ العام 1967 وما زال لم يسترجعها حتى الآن، والواضح أن الصعوبة التي تلقاها حاليا المفاوضات الجارية منذ شهور بين إسرائيل وسوريا بوساطة تركية سببها مياه بحيرة طبرية. وقياسا على هذا ترى مؤسسة الاستشارات الدولية "برايس-ووترهاوس-كوبرز" أن النزاعات الدولية ستزداد حدة بسبب نقص المياه الذي يتوقع أن يطال "قرابة الثلثين من سكان العالم في العام 2050"، وتعتبر منطقة الشرق الأوسط أكثر المناطق عرضة للتهديد بالنزاعات حيث تسجل نفس المؤسسة في هذا السياق أن "ثلثي المياه المستهلكة في إسرائيل تأتي من الأراضي المحتلة وقرابة النصف من المنشآت المائية الإسرائيلية تقع في مناطق لم تكن ضمن" حدود الدولة العبرية قبل العام 1967. مناطق نزاع محتملة لتقريب الصورة أكثر يذكر تقرير وزاري فرنسي أن 15 بالمائة من بلدان العالم تتلقى أكثر من 50 بالمائة من مياهها من دول أخرى، واثنان من أصل ثلاثة من الأنهار الكبرى أو الآبار الجوفية، أي أكثر من بئر جوفي 300 في العالم يتم تقاسمهما بين دول عدة، وهذا ما يتسبب في حدوث نزاعات قد تتطور بسهولة إلى حروب، فالعديد من الحوادث الحدودية المرتبطة بالمياه قد تتحول إلى حروب مفتوحة، وإضافة إلى منطقة الشرق الأوسط عددت مؤسسة "برايس-ووترهاوس-كوبرز" عشر مناطق أخرى تشكل موضع خلاف قابل لأن يتحول إلى نزاع وهي: 1 - تركيا-سوريا-العراق بسبب السدود التركية التي بنيت فعلا أو تدخل ضمن مشاريع مستقبلية لمياه نهري دجلة والفرات، وهذه السدود ستحرم سوريا والعراق من مياه النهرين . 2 - إيران-العراق اللذان يتنافسان على شط العرب، ملتقى دجلة والفرات. 3 - مصر-السودان-إثيوبيا حول مياه النيل. 4 - مصر-السودان-ليبيا-تشاد-النيجر التي يدور بينها خلاف على بساط مائي جوفي بعمق 800 متر وتريد ليبيا استثماره لشق نهر اصطناعي لتمد بذلك سواحلها بالمياه العذبة. 5 - زامبيا-بوتسوانا-زيمبابوي-موزمبيق حول تقاسم مياه نهر السنغال. 6 - الهند-باكستان حول استثمار نهر الاندوس. 7 - الهند-بنغلادش حول دلتا نهري الغانج وبراهمابوتري. 8 - أوزبكستان-كازاخستان-قرغيزستان-طاجيكستان حول نهر امو داريا وسير داريا وبحر ارال. 9 - المجر-سلوفاكيا حول محطة غابسيكوفو لتوليد الكهرباء الواقعة على نهر الدانوب. 10 - صربيا وكرواتيا بسبب "النقص المحلي" للمياه و"تحويلات التلوث" إلى نهري الدانوب والساف جدير بالذكر إن سكان العالم الستة مليارات حاليا لا يستخدمون سوى واحد بالمائة من مجموع مياه الكوكب التي تمثل المياه المالحة أو التي يتعذر الوصول إليها نسبة 98 بالمائة، كما أن هذه المياه الصالحة للشرب على قلتها موزعة بطريقة غير متساوية إذ تتقاسم 23 دولة ثلثي الموارد المائية، فيما يتوزع الثلث الباقي بشكل غير متوازن فيما تبقى من البلدان، وتبدو الدول المحظوظة في العملية هي البرازيل وكندا والصين وكولومبيا والولايات المتحدة والهند واندونيسيا وروسيا إضافة إلى معظم أعضاء الاتحاد الأوروبي. الأخطر إضافة إلى الحروب هو أن أقل من مليار شخص فقط في العالم يحظى بمياه صالحة للشرب وفق معايير ذات نوعية جيدة حسبما تشير إليه مذكرة أعدتها الحكومة الفرنسية صدرت العام الجاري والتي تسجل بأن "مليار إنسان في العالم يفتقرون إلى المياه الصالحة للشرب فيما لا يتمتع 2.4 مليار إنسان آخر بالوسائل والهياكل اللازمة لتنقية المياه"، وبالتالي كما تضيف المذكرة فإن "المياه هي السبب الأول للوفيات والأمراض في العالم بشكل مباشر أو غير مباشر، وأن ثلاثة ملايين طفل يموتون سنويا بسبب النقص في مياه الشرب "، فمن لم تقتله حروب المياه تقتله نوعية المياه غير الصالحة للشرب.