هل تحتاج الجزائر إلى الاتحاد المتوسطي أم هو الذي يحتاج إليها؟ وبماذا ستستفيد من الانضمام إليه؟ فالبراغماتية التي أصبحت ميزة السياسة الدولية تدعو إلى طرح مثل هذه الأسئلة، ينبغي الإشارة إلى مشروع الاتحاد المتوسطي الذي يرفع شعاره الرئيس نيكولا ساركوزي ليس المشروع المتوسطي الأول الذي يعرض على الجزائر فقد سبقه مشروعين اثنين. الأول هو مشروع "خمسة زائد خمسة" الذي يشمل خمس دول مغاربية هي تونس، الجزائر وليبيا وموريتانيا والمغرب، وخمس دول أوروبية مطلة على الضفة الغربية للمتوسط هي البرتغال واسبانيا وفرنسا ومالطا وايطاليا، تجسدت الفكرة في اجتماع روما في العام 1990 واستمدت حيويتها من الزخم الذي انبثق عن تأسيس الاتحاد المغاربي، وانتكست اثر تجميده، ولم تستأنف اللقاءات سوى في العام في 2001 في لشبونة والآن يقتصر مشروع خمسة زائد خمسة في منتدى الحوار التشاوري، والنشاطات المتعلقة بالتنسيق الأمني لمكافحة الإرهاب و مكافحة الهجرة غير الشرعية. أما المشروع الثاني فهو "مسار برشلونة "الذي انطلق في العام 1995 في العاصمة البرتغالية لشبونة في مؤتمر شهد حضورا مكثفا ل 25 دولة أروبية متوسطية و10 دول متوسطية من إفريقيا وآسيا، وانطلق المشروع في إطار السلام في الشرق الأوسط، بهدف إقامة مبادرة شراكة سياسية واقتصادية وإستراتيجية بين الدول المشاركة فيه، ولكن يبدو إن هذه الفكرة لن تتحقق نظرا لأن توقف عملية السلام في الشرق الأوسط بين الفلسطينيين وإسرائيل تركت مخلفاتها السياسية التي عرقلت تقدم مسار برشلونة. وليس مستبعدا أن يعرف المشروع الحالي نفس النتيجة التي لاقاها المشروعان المتوسطيان اللذان سبقاه فالفشل يلاحق المشروع حتى قبل ولادته من عدة نواحي، فالمعارضة الشديدة التي يلقاها تشكل أهم العوائق في طريق تأسيسه حيث لا يوجد مؤيدون كثر لهذه الفكرة، على المستوى الدولي، وعلى المستوى الداخلي لكثير من الدول المفترض أنها ستشارك فيه، ويكاد أن يحدث إجماعا ضده، فقد عارضته إنجيلا ميركل المستشارة الألمانية، وامتدت علامات التململ والاستياء إلى دول أوربية أخرى مما جعل فرنسا تطمئن شركائها الأوربيين وتعدل من مشروعها الأول فالفكرة المسوقة حاليا تختلف عن ما صرح به ساركوزي في خطابه الرئاسي الأول في ماي 2007. فقد تدحرجت فكرة ساركوزي من مشروع التكتل الاقتصادي المندمج والشراكة السياسية والثقافية إلى مشاريع أقل أهمية من الأولى مثل التعاون لمكافحة تلوث مياه البحر المتوسط وبناء طرق الملاحة السيارة ومكافحة الاحتباس الحراري، ومع هذا ما زالت الاحترازات الأوربية قائمة رغم أن المشروع حمل أغلب المعطيات التي جاءت في المشروعين السابقين، وربما الجديد الذي جاء به هو محاولة إيجاد حل لمشكلة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، ومسعى لدفع الحوار الأوروبي الإسلامي، وهي أمور تؤرق أوروبا حاليا. وعلى المستوى العربي يلقى المشروع تخوفا كونه يحمل بصمات التطبيع مع إسرائيل، وقد حذرت أصوات ومفكرون عرب من هذا العامل، فقد رفضه صراحة الرئيس الليبي معمر القذافي واعتبره "طعما مهينا للعرب" وانتقد الذين يرضون بوجود إسرائيل داخله، كما انتقده كلوفيس مقصود السفير السابق للجامعة العربية لدى الأممالمتحدة حيث قال عنه إنه "مصيدة خطيرة للإيقاع العرب وجعلهم يطبعون مع إسرائيل.. التي تحتل أراضي عربية". فالدعم العربي للمشروع ليس في مستوى الطموحات أصحاب الفكرة، فلا يزال الموقف السوري من الاتحاد غير واضح رغم التقارب الجاري هذه الأيام بين دمشق وباريس، وحتى الآن، يظهر أن مصر هي أول من أعلن دعمه للمشروع، لكن على أساس الانضمام مقابل تولي الرئيس مبارك نيابة رئاسة الاتحاد. ومن هنا يمكن قراءة الضغط الذي تشنه هذه الأيام الدبلوماسية الفرنسية على الجزائر بغية ضمها إلى الاتحاد فقد اعترف صراحة السفير الألماني في الجزائر جوهانس وسترهوف بأن "الاتحاد المتوسطي لن يكلل بالنجاح إذا لم تنضم إليه الجزائر"، وبهدف كسب الموقف الجزائري للانضمام للمشروع يشن المسؤولون الفرنسيون حملة ضغط عالية تجلت أبرز مظاهرها في الزيارات المتعددة التي يقومون بها للجزائر والتي تكون قد حطمت الرقم القياسي في عدد زياراتهم منذ الاستقلال، حيث عرفت مدة الشهرين الأخيرين زيارة أكثر من خمس مسؤولين سامين كان آخرهم الوزير الأول فرانسوا فيون الأسبوع الماضي، وقبله كانت زيارة وزير الخارجية برنار كوشنير ثم وزيرة الدفاع آليو ماري ثم وزير التربية والطاقة جون لوي بولرو، وقبلهم كانت زيارات وزراء آخرين كلهم حملوا رسائل من أجل الاتحاد. وقد حاول الفرنسيون بكل ما يملكون دفع الجزائر نحو الانخراط في الاتحاد، وقدموا التعاون في المجال النووي كورقة قوية تعبيرا عن اهتمامهم بالجزائر وتدعيما لمكانتها إضافة إلى بعض العقود في مجالات تعاون أخرى، لكن يبدو أن حكومة ساركوزي ما زالت لم تجب عن الانشغالين الأساسين اللذان يشكلان أساس السياسية الخارجية الجزائرية وهما حل القضية الفلسطينية مع استعادة الأراضي العربية المحتلة من إسرائيل و تسوية النزاع بين الصحراء الغربية والمغرب، وهما الانشغالان اللذان طرحهما بوتفليقة على ساركوزي لدى زيارته لقسنطينة. لكن حتى الآن ليس واضحا أن الجزائر ستنضم إلى الاتحاد من أجل المتوسط، وليس واضحا أيضا إن كان الرئيس بوتفليقة سينتقل يوم 13 جويلية إلى باريس ويحضر قمة تأسيس الاتحاد أم سيكلف أحمد أويحيى الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي الذي تسلم مقاليد رئاسة الحكومة منذ أسبوع، ففي حوار لجريدة "لوموند " الفرنسية قال رئيس الحكومة السابق والأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني عبد العزيز بلخادم إن "الجزائر ستشارك على أعلى مستوى"، لكنه عاد ليقول بأن "المشروع لا يزال غامضا" وهذا يفتح باب الشك على مصراعيه خاصة إن بلخادم أكد بوضوح في الحوار أنه "يجب أن لا يكون الاتحاد غطاء للتطبيع مع إسرائيل". فالمشروع يجد معارضة واضحة في الجبهة الداخلية الجزائرية من قبل الأحزاب وبعض الشخصيات السياسية، وبخلاف التجمع الوطني الديمقراطي الذي دعا أمينه العام أحمد أويحيي الرئيس بوتفليقة لحضور قمة باريس، فقد توقع حسين آيت أحمد زعيم جبهة القوى الاشتراكية "فشل المشروع مثلما فشل مسار برشلونة نظرا لاختلاف الآليات السياسية والمنظومة الاجتماعية التي تحكم دول ضفتي المتوسط"، ودعت حركة النهضة إلى عدم الانضمام إلى الاتحاد فيما طالبت لويزة حنون الأمينة العامة لحزب العمال باستفتاء شعبي حوله، وانتقد عبد الله جاب الله المشروع وقال عنه إنه "يهدف لإدماج إسرائيل داخل العالم العربي"، كما قال سيد أحمد غزالي إن "المشروع غامض وتسوده ضبابية". دون شك فإن هذه العوامل تتحكم في الموقف الجزائري وستعمل على صياغته في آخر لحظة سواء كانت مشاركة للانضمام أو بصفة ملاحظ فقط ، وسواء كان التمثيل برئيس الجمهورية أو برئيس الحكومة أو بممثل آخر، ولعل الاتحاد سيكون بالنسبة للجزائر مجرد سحابة صيف مرت وكفى.