التداخل بيّن وواضح بين خطاب رئيس الجمهورية بمناسبة يوم العلم، وردود الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني على استفسارات الصحافة الوطنية بشأن حركة التململ والغضب التي يشهدها الحزب منذ الإعلان عن تشكيلة المكتب السياسي، وازدادت تفاقما بعد الإعلان عن قوائم المرشحين للإنتخابات التشريعية. ولو أن الأمر بالنسبة لرئيس الجمهورية يتعلق بإصلاحات شاملة وجذرية، تستهدف إنقاذ الجزائر، الوطن والدولة من هزات عنيفة، هي في غنى عنها، فإن المسألة لدى الأمين العام هو الآخر، تتمثل أيضا في إنقاذ حزب جبهة التحرير الوطني، بما يكفل له عبور الإصلاحات، بالتكيف والتساوق مع معطيات الإصلاح، ولا سيما أن الحزب كان من المبادرين الأوائل إلى المطالبة بها، ومن الأحزاب القليلة التي رمت بكل ثقلها في جانب الإصلاحات، ليس فقط من أجل الحزب، ولكن وقبل كل شيء، من أجل تطور الجزائر واستقرارها. ولعله ليس من الصدفة في شيء أن نشهد هذا التوتر والتناغم بين الساحة الإجتماعية التي تزداد مطالبها الكمية والنوعية، وبين المصاعب والمتاعب التي يشهدها حزب جبهة التحرير الوطني في مواكبة زخم الإصلاح، بما يقتضيه من تجدد وتضحيات من قيادة الحزب وإطاراته ومناضليه. ولاشك أن ما تمخض عنه الأسبوع المنصرم، في مسلسل الشد والجذب بين الأمانة العامة وأعضاء قياديين، يعد مؤشرا إيجابيا، على أن فورة الغضب قد وجدت أخيرا طريقها إلى تحكيم العقل، وتغليب المصلحة العليا للحزب على المصلحة الذاتية، إدراكا من "الغاضبين" بأنه في غياب أو إضعاف الحزب، لا مجال للحديث عن النضال والانتخابات. إن مرحلة الإنتخابات في الحياة السياسية لأي حزب، هي مرحلة المخاض العسيرة، على القيادة وعلى المناضلين، وليس من مصلحة أي طرف إجهاض الحمل قبل الأوان، ولا في مرض الأم، فضلا عن وفاتها، لأن ذلك سيكون كارثة على الجميع، بدلا أن يكون عرسا آخر من أعراس المناضلين يتبادلون أثناءه التهاني بالفوز وعيونهم تفيض بدموع الفرح والانتصار. إذا كان للبعض أو للكثير خصومة أو حسابات يودون تصفيتها مع قيادة الحزب، الأمين العام والمكتب السياسي، فلهم ذلك، ومن حقهم محاسبتها على كل كبيرة وصغيرة، فالحزب حزبهم، وهو ملك لكل مناضليه وإطاراته، لكن على أن لا يعني ذلك تدمير الحزب وتقديمه على طبق من فضة أو ذهب إلى خصومه ومنافسيه، الذين لم يصدقوا ما تراه أعينهم من مشاحنات وملاسنات، بين مناضلين كان يضرب بهم المثل في التماسك والتلاحم في ظروف ومنعطفات أخطر مما تعرفه الجزائر هذه الأيام. إن الوعي برهان اللحظة الحاضرة، هو أصعب أشكال الوعي على الإطلاق. فكون المناضل يشكل جزء من المشهد القائم، كثيرا ما يحول بينه وبين إدراك الحقيقة في كل أبعادها الموضوعية منها والذاتية، ولذلك فإن بعض المناضلين يغيب عنهم في اللحظة القائمة، الراهنة، أن الأمواج العاتية التي تهز المحيط تتهدد السفينة ذاتها بينما هم غارقون في التخاصم. إذا لم يرق المناضلون – غاضبون ومنسجمون وبين بين - إلى مستوى الوعي، بأن الجزائر تعيش ومقبلة على إصلاحات وتغييرات عميقة وشاملة على كل المستويات، فإن التيار الاصلاحي الجارف لن يرحم أي أحد، سواء تعلق بحرفيات النص، أو ربط مصيره بهذا الشخص أو ذاك، وليتأكد الجميع بأن الديمقراطية والشفافية ودولة الحق والقانون، التي تنشدها الإصلاحات لن تتحقق في كل أبعادها، إلا عبر دمقرطة الأحزاب ذاتها، وعلى رأسها حزب جبهة التحرير الوطني.