ولو أن اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني في دورتها الثالثة، كشفت أن الدخان الذي ظل يتصاعد من بيت حزب الأفلان لشهور، لم يكن سوى نتيجة احتراق الأوراق المتساقطة في حديقة المنزل الخلفية على قول بلخادم، وللأعشاب البرية الضارة على مقولة بعض المناضلين، فإن التصريح الذي أدلى به أمس الأول وزير الداخلية والجماعات المحلية السيد دحو ولد قابلية قد جاء ليضع حدا نهائيا وفاصلا لتقولات من يسمون أنفسهم بالتقويميين، ويحرص الأمين العام للحزب على وصفهم بالغاضبين، لتأكيد الطابع الذاتي والشخصي لحركتهم التي لم تجد صداها بالحقيقة سوى لدى الناقمين على الحزب، من الذين استعصت عليهم المنافسة السياسية لحزب الأفلان • بعد أن أسقط في أيديهم وأيقنوا أن البلبلة والتصريحات الصحفية غير الصادقة، لم تجد من يبتاعها منهم من بين أعضاء اللجنة المركزية والمناضلين، بدليل حضور كل أعضاء اللجنة المركزية أشغال الدورة الثالثة، إلا في ندر، جاء تصريح وزير الداخلية ليجهز تماما على مغالطة ركبها الغاضبون من عدة أشهر، مستغلين تحفظ الإدارة وحرصها على الحياد في شأن حزبي داخلي، والنأي بنفسها عن خصومات شخصية على قول الأستاذ عبد الحميد مهري. لقد لمست قاعدة الحزب بحدسها النضالي المعهود وبحسها السليم منذ الوهلة الأولى لبدء "الحيحاية"، ومباشرة بعد الإعلان عن تشكيلة المكتب السياسي، أن الركبة "مايلة"، وأصحابها لن يذهبوا بعيدا، في مسعاهم• فالمناضل بعفويته الطبيعية، لم يجد مادة للخلاف ولا موضوعا للنقاش، لأن كل طروحات الإخوة الغاضبين انصبت إما على الأمين العام لتصفية حسابات شخصية، أو استهدفت الحزب في حد ذاته، وهو ما لا يمكن لمناضل صادق مع نفسه وحزبه قبوله، حتى ولو تقمص أصحاب المبادرة قميص الغيرة على الحزب وركبوا موجة الخشية على مستقبله. بصرف النظر عن كون الإخوة الغاضبين قد وصلوا إلى طريق مسدود، وبعيدا عن حسابات الربح والخسارة، التي لا يمكن أن يعمل بها حزب جبهة التحرير الوطني في الفرز بين إطاراته ومناضليه، فإن الانكشاف الأخير لمن يسمون أنفسهم بالتقويميين، لن يكون أبدا سببا للانتقام ولا للإبعاد• فالقاعدة عند الأفلان ومنذ مؤتمره الجامع، أن نعم للوحدة والتماسك، ولا للفرقة والانقسام... ونعم للرأي الآخر والاختلاف، ولكن على أن يحدث كل ذلك داخل البيت الكبير الذي هو بيت الأفلان، والذي هو من الاتساع وعلو السقف، بحيث هو قادر على تحمل كل ألوان الغضب والتجاذب، شريطة أن تبقى ضمن الأطر النظامية والضوابط الحزبية. وبالنهاية فإن الذي يعيبه حزب جبهة التحرير الوطني قيادة ومناضلين على الإخوة، ليس غضبهم لأسباب مصلحية ذاتية، ولا حتى تنطعهم على الأمين العام والهيئات العليا، ولكن بالأساس نقلهم "لغضبهم" إلى ساحات وميادين لا يليق بمناضل متمرس غيور على حزبه، أن يلعب فيها... فضلا عن أن ينشر فيها غسيل العائلة!. وعلى فرض أن هناك مشاكل في حزب جبهة التحرير الوطني، وهي لابد موجودة، كما هو الحال في كل تنظيم بحجم ورسالة الأفلان، فإن العيب ليس في وجودها، وإنما العيب يكمن في إذا لم تكن هناك إرادة من القيادة في معالجتها والبحث في وجود حلول لها، وهو بالضبط موقف قيادة الأفلان التي لم تكف أبدا عن استعدادها المطلق للنقاش والحوار والاستماع إلى كل الأصوات بما فيها تلك التي لها رأي مغاير، ومن ثمة دعوتها الغاضبين ومنذ الآن إلى الدورة القادمة للجنة المركزية. التحرير