أنهت الدورة الرابعة للجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني أشغالها بعد ثلاثة أيام من النقاش الحر، في أجواء من الانضباط والانسجام، على عكس ما كان يأمله الخصوم من الذين جعلوا من معاداة حزب جبهة التحرير الوطني برنامجا وسياسة ثابتة. ولأن الاختلاف حق مشروع، بل هو مطلوب، ولكون التدافع بين المناضلين حق مكفول في حزب جبهة التحرير الوطني، فإن الأمين واللجنة المركزية تركا الباب مفتوحا أمام الإخوة الغاضبين للالتحاق بالدورة القادمة وإبداء اعتراضاتهم الموضوعية، مما يؤكد مرة أخرى سعة صدر حزب جبهة التحرير الوطني تجاه كل أبنائه ومرونة قيادته في التعامل مع التجاذبات التي ولابد أن تحدث بين الحين والآخر. وإذا كان هناك من كان ينتظر من الحزب وقيادته اتخاذ مسلك آخر غير مسلك المرونة والتعاطي مع الغاضبين بغير الصبر عليهم، فقد أخطأ وجانب الصواب، لأن حزب جبهة التحرير الوطني من منطلق نظرته الشاملة وواقع ثقله ومركزيته في الساحة السياسية لا يمكنه التصرف بمنطق الثكنة، لهذا لم تأخذ قضية الغاضبين وقتا كبيرا من أشغال الدورة الرابعة للجنة المركزية، التي صرفت وقتها وجهدها لبلورة موقف الحزب من الإصلاحات السياسية ولتقييم الحصيلة منذ الدورة الثالثة للجنة المركزية ووضع أجندة مضبوطة للقادم من الأيام، خاصة الاستحقاقات المقبلة، التي تتطلب الاستعداد لها من الآن. لقد أبدى الأمين العام مرونة واضحة وأكد استعداده للإحتكام إلى ضوابط الحزب وإلى المناضلين الذين لا تعوزهم الحكمة والتجربة والروح النضالية في التفريق بين مصلحة الحزب والوطن ومصلحة الأفراد والأشخاص، مما يؤكد مجددا استعداد قيادة الحزب لتقبل النقاش والحوار وتحمل المسؤولية كاملة أمام اللجنة المركزية، التزاما بالأطر الشرعية المخولة لطرح الانشغالات وتسوية الإختلافات. جرت الدورة العادية للجنة المركزية في أجواء عادية، بعيدا عن حسابات الربح والخسارة التي لا يمكن أن يعمل بها حزب جبهة التحرير الوطني في الفرز بين إطاراته ومناضليه، ذلك أن القاعدة التي يرتكز إليها هي نعم للوحدة والتماسك، ولا للفرقة والانقسام، نعم للرأي الآخر والاختلاف، ولكن شريطة أن يحدث ذلك داخل البيت الكبير، الذي هو بيت حزب جبهة التحرير الوطني، وهو قادر على تحمل كل ألوان الغضب والتجاذب. إن حزب جبهة التحرير الوطني الذي عرف هزات ومتاعب أكبر من هذا بكثير، هو اليوم في غنى عن هذا النوع من الاحتراب، ذلك أن الرهانات التي تنتظره كثيرة والتحديات التي تواجهه أكبر، وقد خرج من دورة اللجنة المركزية أكثر تماسكا، بما يمنحه القوة الكبيرة لقول كلمته في الاصلاحات ولخوض الاستحقاقات المقبلة باقتدار.