يفترض أن من يخاف من التزوير هو ذلك الذي يرى بأنه الأحق بالفوز، أو يعتقد من خلال معطيات موضوعية بأنه سيحصد الأغلبية، لكن في الحالة الجزائرية هناك استثناء غريب جدا، فالأحزاب التي تصيح منذ أشهر خوفا من أن يتم تدليس الانتخابات هي على العكس أحزاب ضعيفة أو مجهرية لا وجود لها في واقع الناس. ولنبدأ من السؤال التالي: هل السلطة بحاجة إلى تزوير الانتخابات لضمان استمرار نفس الخارطة السياسية؟ وهل الأحزاب الكبيرة مثل حزب جبهة التحرير الوطني بحاجة لمن يمدها بأصوات الغير لكي تضمن مكانتها؟ والجواب هو بطبيعة الحال لا، لأن الحقيقة تقول بأن أغلب من يقدمون أنفسهم كبديل لما تسمى بأحزاب السلطة، لا يفقهون في السياسية شيء، بل إن البعض منها حول النضال السياسي إلى مسرحية هزلية يتابعها المواطن على مضض وبالكثير من التقزز، مسرحية تسيء حتى للجزائر كأمة، ناهيك عن تأثيراتها السلبية على الممارسة السياسية في البلاد. فأين تلك الكفاءات التي تحدثت عنها بعض التشكيلات التي تلوك الكلام عن التغيير وكأنه طريق مهد لها دون سواها، وأين هي البرامج وأين هي الحلول للمشكلات القائمة، سواء على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي أو حتى الدبلوماسي والأمني، وأين البدائل فيما يتعلق بدمقرطة الحياة السياسية وإدخال البلاد »جنة« الحريات بمفهومها الواسع؟ كل ذلك لا وجود له في خطاب جل التشكيلات التي تدعي المعارضة، بل إن أغلب هذه الأحزاب تحاول فقط أن تحاكي الأحزاب الكبيرة، وتسقط أحيانا في المحظور من خلال التورط في خطاب عدمي لم يعد يقنع المواطن الذي أصبح يعي جيدا المنتهى الكارثي لمثل هاته الخطابات السوداوية. الحديث عن التزوير تحول إلى برنامج لدى البعض في غياب البرامج الحقيقية والجدية، وأضحى مشروعا سياسيا في تقدير هؤلاء الذين لا يفهم الكثير منهم حتى المقصود من مشروع المجتمع الذي يفترض أن يشكل ثابتا بالنسبة للجميع الذي عليه أيضا العمل لأجل إحاطته بكل ما يلزم من التحصين لصيانته وتقويته، والحديث عن التزوير ما هو في الواقع إلا وسيلة لتوجيه السهام نحو السلطة بل وحتى نحو مؤسسات الدولة، علما أن البعض لا يستطيع التفريق بين السلطة كأشخاص وسياسات، وبين الدولة التي هي مؤسسات ملك للجميع وليست ملكا للسلطة، بل إن بعض التشكيلات أصبحت تستعمل التزوير كفزاعة في حربها ضد أحزاب كبيرة لا أحد يستطيع أن يزايد عليها سواء في كفاءة المترشحين الذين تعرضهم على الناخبين، أو مستوى الخطاب السياسي الذي تطوره في مسعاها لكسب ود الجزائريين يوم الاقتراع. ولنكن واقعين ونتساءل بمنتهى الصراحة: هل ما يسمى بتكتل الجزائر الخضراء مثلا قادر على قلب الموازين وحصد الأغلبية في التشريعيات المقبلة، مع إدراك الجميع بأن هذا التحالف يتشكل من حزب يعرف الجزائريون وزنه ووعائه الانتخابي،وأخر عجز عن تحقيق انتصارات تذكر خلال كل الاستحقاقات التي دخلها في السابق، وحزب ثالث هو من بقايا حزب تحول إلى لا شيء بعدما غدر قادته بزعيمهم. وهل يتوقع أن تتغير الخارطة السياسية في الاتجاه الذي يتحدث عنه البعض في ظل أحزب مجهرية موسمية تحول همها منذ سنوات طويلة إلى استغلال المواعيد الانتخابية لتحقيق مكاسب مادية، وأخرى ولدت بالأمس فقط، أحزاب تتزعمها أسماء لا وجود لها في عالم النضال السياسي، والبعض منها انشق عن تشكيلات سياسية، معروفة بعدما تعذر عليها الحصول على مكانة محترمة في قوائمها الانتخابية، وتشكيلات مارست شكلا من الفساد الذي لم تعرف البلاد مثيله من قبل، وحولت القوائم إلى تجارة كسبت من ورائها الملايير، كل هذه الأحزاب التي تحذر من التزوير يسكنها في واقع الأمر أمل واحد وهو أن تتكرم عليها السلطة بحصص، لأنه من دون محاصصة لا سبيل لها للحصول على مقعد واحد.