لا يختلف جزائريان على أيامنا، في أن »المجتمع« الجزائري، يعاني أزمة قيم وأخلاق، لم يسبق أن عرف مثلها، حتى في أشد حالات الانحطاط والأزمات التي مرت به .. لم يحدث أبدا، أن اختلط على الإنسان الجزائري الفرق بين الشر والخير، بين الإيجابي والسلبي، بين الصح والخطأ، حتى وإن كانت هذه القيم على الدوام، موجودة بين أفراده، مثله أي مجتمع إنساني آخر.. لكنه كان دائما وأبدا، يجد نفسه في القيم النبيلة، ويحاصر ويحارب القيم الرذيلة، سواء بمقاطعة مرتكبيها، أو بالتبرؤ منهم، أو بتسفيهم وترتيبهم رتبة دونية على هامش المجتمع، وذلك أضعف الإيمان. العملة الرائجة في هذه الأيام، هي الغش، التدليس، السرقة، الكذب، النصب، الاحتيال، خيانة الأمانة، وما إلى ذلك من القيم السالبة.. نتصفح ذلك ونقرأه يوميا عبر صحائف، جعلت من هذه المادة القذرة، خبزا يوميا للجزائريين، الذين اختلط عليهم الحال، ولم يعودوا يدرون، إن كان الترويج لمثل هكذا أخبار مرده استفحال هذه الظواهر في المجتمع، أم أن الإفساد والمفسدين، قد بات هو القاعدة، وغيره الإستثناء! إذا ما صدقنا ما ينشر في الصحائف تلك، وما تتناقله الشائعات، لا نملك سوى أن نشعر بالغربة والحيرة. كيف لمجتمع يبلغ هذه الدرجة من الانحطاط الأخلاقي والقيمي، أن لا ينهار وكيف له أن يبقى متماسكا قائما في وجه الرياح العاتية من كل صوب ؟ يقول علماء الجريمة، أن الجثة الميتة الملقاة في الماء، تبدأ أول ما تبدأ في الغرق، لكنها عندما تلامس القاع، تعود وتطفو إلى السطح مرة أخرى، ذلك هو قانون الطبيعة، والحياة والموت. فهل يا ترى المجتمع الجزائري وبعد إصابته بكل هذه الآفات والأوبئة، ما يزال لم يلمس القاع بعد، وهل بربكم، ما تزال شرور أخرى لم يعرفها المجتمع الجزائري بعد؟ هل هنالك اعتداء آخر أكبر من الاعتداء على الأصول؟ وهل هنالك زنا آخر أشنع من زنا المحارم؟ وهل هنالك سرقة أفظع وأجبن من سرقة الشيء المؤتمن عليه؟ الأفعال المشينة نفسها تبدلت مفاهيمها وتعاريفها، فالسرقة لغة وقانونا، هي مد اليد لمال الغير، أي المال الذي ليس تحت وصاية أو كفالة السارق، ولكننا في زمننا المقلوب هذا، صرنا نرى قابض مركز البريد، ومدير البنك، ومسؤول الشركة، هم من يبادرون إلى مد أيديهم للصندوق الموضوع تحت مسؤوليتهم، فهل يصح تسمية هذا بالسرقة، أم هو خيانة لما هم مؤتمنون عليه، أي أنهم بشكل أو بآخر سرقوا أنفسهم، ماداموا عاجلا أو آجلا سيطالبون بتقديم كشف الحساب. إن اختلاط الأمور على الجزائري، وانقلاب مفاهيم القيم، هو الذي يجعله، يسرق، ويخون، وينتحر، ويكذب، ويحتال، دون أدنى وازع ولا ضمير.. ولكن دعونا مع كل ذلك، نطرح على أنفسنا السؤال التالي: في ظل مجتمع تسود فيه هذه الأخلاق والقيم، بحسب الصحائف أعلاه - هل هناك مجال جدي وواقعي فعلا، لإصلاح سياسي أو قانوني أو حتى دستوري؟ هل في ظل اختلال المعايير هذا، يجوز الحديث عن السياسة والإنتخابات والديمقراطية وغيرها من العناوين، التي ولاشك تتضمن أخلاقا وقيما إنسانية راقية. الجزائر في حاجة إلى إصلاح فعلا، وعلى كل الأصعدة، الدستورية، والسياسية، والاقتصادية، والقانونية، ولكن أيضا وقبل كل ذلك، هي في حاجة ماسة إلى إصلاح روحي، نفساني، اجتماعي، أخلاقي، وتربوي، لأنه هو التربة التي تقوم عليها الإصلاحات الأخرى، وما لم نصلح التربة أولا، برجال مصلحين تفرزهم أرض الجزائر الغنية الطاهرة، فإن كل الجهود معرضة للفشل.. ولا معنى للديمقراطية والإنتخابات في ظل شروط مجتمعية، لا تقيم وزنا للصندوق وتتقبل الكذب العلني المفضوح، وعلى المباشر، في حملة انتخابية، قوامها وذخيرتها، الوعود الكاذبة.. ولكن لا أحد يقول للآخر كفى كذبا، شبعنا كذبا.. صه.