لم ينقص الأفلان سوى 11 مقعدا فقط للفوز بنصف عدد مقاعد البرلمان، نسبة لم يتوقعها أي محلل سياسي على الإطلاق، وبفارق 152 مقعدا كاملا على الحزب الثاني في الترتيب العام، إنه الفوز السياسي الأكبر، وهو فوز منطقي، إذ أن كثيرا من المحللين السياسيين كانوا قد توقعوا احتلال الأفلان المرتبة الأولى، لكنهم لم يتوقعوا أن يفوز بكل هذه النسبة. وبدون شك، فإن الفوز بهذه النسبة الباهرة، ساهمت فيه عدة أسباب منها: جبهة التحرير.. »الوسادة الآمنة« إن حزب جبهة التحرير الوطني أصبح »الوسادة الآمنة« بالنسبة للناخب الجزائري، لذلك إذا اعتبرت تشريعيات ديسمبر 1991 التي منحت الفوز بنسبة 188 مقعدا للفيس المحل »انتخابات انتقامية«، فإن تشريعيات 2012 التي منحت الفوز الأكبر لجبهة التحرير الوطني يمكن اعتباره فوز »لجوء« لأن الشعب الجزائري ليس مستعدا لإعادة استنساخ تجربة التسعينيات، ولا تجربة ليبيا أو سوريا أو غيرها من تجارب ما يعرف باسم »الربيع العربي«، وهكذا كانت جبهة التحرير الوطني »الملجأ الآمن«. كما إن الخطاب الذي ألقاه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في مدينة سطيف، كان معبئا للجماهير في اتجاهين اثنين: الإتجاه الأول هو تحريك الناخبين من أجل التصويت، وقد حقق في خطاب واحد ما عجزت عنه الأحزاب خلال الحملة الإنتخابية الفاترة، وهو ما يفسر بلوغ نسبة المشاركة أزبد من 42 بالمئة. أما الإتجاه الثاني، فقد فهم الناخبون، الذين يكنّون احتراما كبيرا للرئيس بوتفليقة، أن الرئيس دعاهم في خطاب سطيف للتصويت لصالح الأفلان. ومن خلال تتبع العملية الانتخابية، لوحظ أن نسبة مهمة جدا من الناخبين تمثلت في شريحة »كبار السن«، هؤلاء لديهم ارتباط تاريخي وعاطفي بحزب جبهة التحرير الوطني، ولا يهمهم أصلا الخلافات الموجودة في رحاب الحزب والقوائم الإنتخابية، كل ما يهمهم هو التصويت لصالح الحزب. كما أن هذه الشريحة يمكن اعتبارها »الشريحة العاقلة في المجتمع«، فهي تشعر بالمسؤولية تجاه الوطن وتجاه أبنائها أكثر من غيرها، لذلك كان فوز جهة التحرير مدويا. إلى ذلك، ظلت صورة جبهة التحرير الوطن ي نظيفة في المخيال الجماعي للمواطنين، بينما صورة أحزاب منافسة له تشوهت، فالإسلاميون انقسموا على أنفسهم وشكلوا عدة أحزاب، بينما رغم الخلافات داخل الأفلان فإنه لم يلجأ المختلفون لإنشاء أحزاب جديدة. الأفلان: أقوى حزب وسط أحزاب غير مطمئنة من بين عوامل الفوز الأكبر أيضا، أن حزب جبهة التحرير الوطني هو الحزب الوحيد في الحقل السياسي الذي لديه نفوذ شعبي، لم يتغير رغم الهزات الداخلية التي تعرض لها الحزب، كما أن الأحزاب المنافسة لجبة التحرير الوطني أحزاب هشة وغير معروفة باعتبار أنها حديثة النشأة وبالتالي لم يكن بمقدورها منافسة حزب بمستوى حزب جبهة التحرير الوطني. ويمكن القول أن الأرندي، الذي وضع نفسه موضع المنافس لجبهة التحرير قد خسر رغم احتلاله المركز الثاني، ويرجع ذلك في بعض جوانبه إلى الخطاب السياسي الذي اعتمده رئيس الحزب في الحملة الإنتخابية، حيث عمد أحمد أويحيى إلى استعمال »خطاب مخيف« بإعادة انتاج »الخطاب الإستئصالي« المثير للإسلاميين، والذي ولد الخوف في قلوب الناس من العودة لمرحلة التسعينيات، وهو ما جعل خطابه يأتي بنتائج عكسية تجسدت في اللجوء إلى الأفلان. كما أن النسبة التي حققها »الإسلاميون الإخوان« الممثلون في »تحالف الجزائر الخضراء«، الذين حققوا المركز الثالث، هي المكانة الطبيعية لهم، على اعتبار إن الإسلاميين في الجزائر ليسوا »موضة سياسية« مثلما هو الحال في تونس أو مصر أو المغرب، ذلك إن الشعب يعرف جيدا الإسلاميين، الذين بمشاركتهم في الحكم، وبامتلاكهم أحزابا سياسية تنشط بشكل شرعي، أصبحوا أحزابا عادية كغيرها من الأحزاب، ومن جهة أخرى، لم يعد الخطاب الديني في الجزائر معبئا للجماهير كما كان عليه الحال في التسعينيات حينما كان »الإسلاميون موضة سياسية حقيقية« . أما بخصوص النتائج الهزيلة التي حققها عبد الله جاب الله، الذي كان يعتقد أنه سيفوز بمقاعد تؤهله لتشكيل حكومة، يمكن القول أن جاب الله بقي متمسكا بخطابه التقليدي ولم يتغير، لا في الشكل ولا في المضمون، كما أن »حزبه الجديد« تعرض لحملة انتقادات بسبب عدم ترشيح نفسه من جهة، وترشيح زوجته على رأس القائمة النسوية، ثم ترشيح أخيه وصهره، ولم تكن لديه حتى الشجاعة ليترأس قائمة حزبه في العاصمة، وهي أمور عائلية عادة ما ينظر لها الناخبون بعين الريبة. وخلافا لبعض الأحزاب، فإن النتائج التي تحصلت عليها جبهة القوى الإشتراكية تعتبر منطقية جدا، لأن الحزب حافظ على وعائه الإنتخابي المعروف منذ 1991 ، والمتأرجح بين 19 و20 مقعدا، وهو ما يفسر أن أصوات الأرسيدي إما قاطعت أو ذهب بعضها لصالح حزب عمارة بن يونس. أما المتتبع للحياة السياسية في الجزائر فقد لاحظ تراجع شعبية لويزة حنون بسبب الخطاب والتصرف السياسي المنتهج، في حين راح حزب موسى تواتي ضحية الغرور والإنقسام والإعتماد بشكل واضح على »المال« في العملية الإنتخابية. إن التزوير الذي بدأت بعض الأحزاب تلوح به، وتقول بأن الإنتخابات شابها بعض التزوير، فإن هذا الإدعاء يمكن رفضه لسببين على الأقل، السبب الأول أن النسبة التي تحصل عليها الحزب لا يمكن أن تزوّر بالنظر للظروف الإقليمية والدولية المحيطة بالعملية الإنتخابية، والتزوير هو لعب بالنار. كما أن التزوير إذا كان ليكون، فهو يكون لصالح الحزب الغريم لجبهة التحرير وليس لصالحها، فهو حزب يعرف بحزب »الإدارة« الذي سبق له أن زور تشريعيات 1997 بشكل ملحوظ، والفارق بينه وبين جبهة التحرير الوطني، فارق شاسع للغاية. ولا يمكن لهذه الأحزاب أخلاقيا الإدعاء بأن الإنتخابات مزورة، لأنها وخلال حملتها الإنتخابية أكدت بأن كل الضمانات ضد التزوير قائمة، من الضمانات القانونية إلى القضائية إلى المراقبة الدولية، إلى تسليم المحاضر وتعليقها، فكيف ومن أين جاء التزوير؟ والحقيقة أنه لا يمكن إغفال قانون الإنتخابات الذي يقصي من يحوز على أقل من 5 بالمئة من الأصوات، وبذلك ذهبت الأصوات والمقاعد للحزب القوي وهي جبهة التحرير. في المحصلة، فإن كل الظروف كانت في خدمة الأفلان، وتحققت النتيجة تبعا لهذه الظروف، ولا يمكن القول أن هناك منهزما، لأنه من الجنون أن تتوقع الأحزاب الجديدة بأنها ستفوز بمقاعد عديدة وهي التي لم يكن لديها حتى الوقت لإعداد القوائم، كما أن كل الأحزاب التقليدية تقريبا حافظت على مكانتها الطبيعية.