لو فشل الأفلان في تحقيق نتائج في التشريعيات، لكان المراقبون السياسيون أول من طالب بلخادم بالاستقالة قبل غيرهم. لكن النجاح أو الفشل يقاس بالنتائج. إنه المنطق والواقع أيضا. وكان يفترض تبعا لهذه النتائج أن تحدث مصالحة داخل الحزب. ما يحدث اليوم في رحاب الأحزاب الجزائرية يجعل المواطنين يقتنعون أن بعض الأحزاب أصبحت ملكية شخصية، غير أنها- كما يجب أن تكون- مؤسسات سياسية، وهي ملك للمناضلين، يكون فيها المؤتمر أعلى هيئة للحزب، بينما اللجنة المركزية مثلا أو المكتب السياسي أو المجلس الوطني أو مجلس الشورى هي هيئات لتسييره، لأنه ليس معقولا أن نعقد في كل مرة مؤتمرا لاتخاذ القرارات. وهذه القاعدة ليست من إنتاجنا نحن، إنها قاعدة فكرية وفلسفية وعملية، أنتجتها أفكار المجتمعات الغربية الحرة. وتعمد بعض الفلسفات الحزبية إلى منح رئيس الحزب أو أمينه العام »حق الفيتو« في بعض القرارات، ويعتبر موقفه أو صوته مرجحا عندما تتساوى الأصوات للتدليل على أهمية المنصب من جهة، وتحميله المسؤولية الكاملة من جهة أخرى، على أن يكون مسؤولا أمام هيئات الحزب والمؤتمر عن نتائج الحزب السياسية. وبعض أنظمة الحكم الرئاسية تمنح حتى الرئيس حق الفيتو في اتخاذ القرارات المصيرية للبلد مثل النظام السياسي الأمريكي. إن الحزب أي حزب، يسعى للوصول إلى الحكم والبقاء فيه، والحصول على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان والمجالس المنتخبة، وتتم محاسبة رئيس الحزب بناء على النتائج التي حققها. إنه المنطق السياسي. وهذه القاعدة معمول بها في الأنظمة الرئاسية وحتى الأنظمة البرلمانية، ففي بريطانيا مثلا أو أي بلد ذي نظام برلماني يستقيل رئيس الحزب بمجرد فشله في الانتخابات البرلمانية التي تمكنه من تشكيل الحكومة. الغريب في حزب جبهة التحرير الوطني، أنه لم يخضع لهذا المنطق العالمي العلمي والسياسي المتعارف عليه. فعبد العزيز بلخادم واجه عاصفة عاتية خلال إعداد القوائم الانتخابية لتشريعيات 2012، وخرج للقوم متحملا مسؤوليته بالقول: »إذا فشلت سأستقيل أنا والمكتب السياسي«. هذا التصريح مهم جدا، ويجب تثمينه وتحويله إلى قاعدة لممارسة العمل السياسي الحزبي على الأقل ، حتى لو كان من المنطق أن يستقيل بدون أن يصرح بهذا في حال الفشل، لأنه قاعدة العمل السياسي الذي أشرت إليه، ومع ذلك فعل كرسالة على استعداده ل »تحمل مسؤولية النتائج«. إن الأحزاب التي فشلت في التشريعيات كان يجب أن تحدث فيها المراجعات والإستقالات، في حين كان يجب أن تتقوى جبهة التحرير بما تحقق من نتائج. لقد جاءت النتائج فوق كل التوقعات، يكذب على نفسه من يقول أنه توقع أن يفوز الأفلان ب »221 مقعدا«، أحسن المتفائلين كان يتمنى أن يقارب الأفلان مئة مقعد. ولما كانت النتائج هي التي تعطى للفوز أو الفشل معنى، كان يتعين أن تحتفل جبهة التحرير بهذا الفوز، لا أن يتحول إلى »مأتم«. فلو ننظر مثلا إلى الأفافاس الذي حصل على 21 مقعدا، لوقفنا عند عبرة مفيدة، حيث اعتبر حسين آيت أحمد 21 مقعدا فوزا كبيرا، ودعا نوابه إلى العمل بصرامة داخل البرلمان، في رسالة إلى عدم اعترافه بدعاة مقاطعة المجلس، لأن الشعب هو الذي منحك، وليس من الأخلاق أن تقول للشعب »لا أحترم ما منحتني إياه«، ودعا إلى معاقبة القياديين الذين نشطوا حملة ضد الحزب بسبب مشاركته في التشريعيات. الأفلان منحه الشعب 200 مقعدا زيادة عن الأفافاس، فهل يعقل أن يعتبر المناضلون وبعض الشخصيات القيادية أن الشعب صوت لصالح »بوتفليقة« وليس لصالح الأفلان؟. إن الواقع هو أن الأفلان حزب كبير، ومن منطق التسويق السياسي يعتبر »علامة مسجلة«، والناخبون صوتوا للأفلان أولا ثم لرجاله ثانيا، وإذا لم يكن ذلك كيف صوت المواطنون لمترشحين مغمورين لو لم يكونوا ضمن قوائم الأفلان ؟ إن الأحزاب ليست ملكية شخصية أو ملكية مجموعة، بل يجب أن يناضل المخلصون ضد أن يصبح الحزب أي حزب حكرا لأقلية، تستفيد منه كما تشاء، وتنقلب ضده عندما تشعر أنها أصبحت على هامش »الإنتفاع« .. يجب تحرير الأحزاب من الاحتكار الفردي أو القبلي أو الجهوي أو الشللي. أما الكيفية فهي ورشة حقيقية من الضوابط والقواعد والممارسة الديمقراطية.