قال أحدهم: "مؤخرا احتفلت سويسرا بآخر أمي في البلد، وأدعو الله أن يأتي اليوم الذي تحتفل فيه الجزائر بآخر أمي أيضا". إن المعلومة بالغة الدلالة، ففي القرن ال 21 يفترض أن تكون الأمية قد اندثرت من وجه المعمورة، لولا أنظمة حكم متعفنة أشعلت العالم حروبا وجعلت الحكومات تنفق على التسلح ما من شأنه أن يقضي على الأمية عشرات المرات. وبعيدا عن مفهوم الأمية الذي تغير حاليا بفعل تغير الظروف المحيطة بالمجتمع البشري، حيث انتقل مفهومها من: "الأمي هو الشخص الذي لا يعرف القراءة والكتابة"، إلى "الأمي هو الشخص الذي لا يتقن على الأقل لغة أخرى إلى جانب لغته الأم" ، إلى "الأمي هو الشخص الذي لا تقن استخدام الكومبيوتر"، وربما سيتغير المفهوم أيضا مستقبلا تبعا لتزايد نفاذ التكنولوجيا في الحياة اليومية للمواطنين. ولكن دعنا نبقى في المفهوم الأساسي للأمية، وهي عدم معرفة القراءة والكتابة، لقد احتفلت سويسرا إذن بآخر أمي لا يقرأ ولا يكتب، وفي سياق متصل نشرت الصحف العربية نتائج دراسة عن المقروئية في الوطن العربي جاء فيها: "إن المواطن العربي يقرأ ربع صفحة في السنة"، وإذا سارت الأمور على هذا النحو، فإنه سيأتي اليوم الذي سنحتفل فيه بآخر قارئ عربي للكتب والصحف وربما حتى للقرآن الكريم.. إن القراءة تتراجع حتى في الأوساط الذين يفترض أن يكونوا الزبائن الأوائل للكتاب، مثل الطلبة الجامعيين، لكن حتى هذه الفئة، تقرأ فقط "بعض الأسطر التي تم تدوينها في المحاضرات". وتشير الدراسات إلى أن الإقبال على القراءة يتزايد كلما تقدم السن، ولأن أوروبا مالت نحو الشيخوخة ارتفع معدل القراءة.. وفي الوطن العربي حيث زيادة نسبة الشباب يتم الإقبال على مشاهدة التلفزيون أكثر من الإقدام على القراءة. ولأن القراءة هي العمق الذي يمنحنا الذاكرة، ولأن المكتوب هو الحزام الذي تنتقل عبره الثقافة من جيل إلى جيل، فإنه يمكن القول أن المواطن العربي الذي تسيطر عليه الثقافة الشفوية، وقلة المقروئية، سيكون أمي بامتياز من الناحية المعرفية ، حتى لو كان "العربي" يعرف القراءة والكتابة. هذا بدون أن نفتح ملفا آخر عن "المستوى اللغوي لمن يعرف القراءة والكتابة" هل هو يقرأ فعلا أم "يهجي"، هل هو يكتب فعلا أم "يرسم أشكالا"؟ أما الأمية الإلكترونية والعمل الشبكي فذلك موضوع آخر يعرف باسم الأمية الإلكترونية التي ولدت فجوة رقمية يصعب سدها. [email protected]