يبدو أن الأزمة العميقة التي تعصف بحركة مجتمع السلم منذ فترة قد أفقدت قيادة هذا الحزب الاسلاموي صوابه، وجعلت خليفة الراحل محفوظ نحناح يخبط خبط عشواء سعيا وراء كسب مصداقية وسط مناضلي الحركة الذين تعودوا على سيناريوهات معروفة عند كل استحقاق رئاسي، سيناريوهات تحاول من خلالها قيادة الحركة المحافظة على "شعرة معاوية" بينها وبين قواعد تائهة بين الخطاب الإسلامي المحافظ، وخطاب من يوصفون بالراديكاليين داخل حمس، الداعين إلى إخراج الحركة من حال التبعية "غير المفيدة وغير المجدية" للسلطة إلى المعارضة بالمعنى المتعارف عليه للكلمة، فضلا عن القيادة الحالية التي تضع رجلا في المعارضة وأخرى في السلطة ثم تتملص من الاثنين معا. رئيس حركة مجتمع السلم أوضح خلال ندوة مجالس الشورى الولائية للوسط التي عقدت مؤخرا بالبويرة أن الرئيس المقبل "يجب أن لا يكون له أي لون سياسي"، وأضاف قائلا انه "إذا أراد عبد العزيز بوتفليقة الترشح لرئاسيات 2009 ما عليه إلا أن يقدم استقالته من حزب جبهة التحرير الوطني"، وواصل على نفس المنوال "نريد رئيسا يقدم مصلحة الجزائر بعيدا عن تشكيلته السياسية.." . وبطبيعة الحال فهم الجميع ما يريد خليفة الشيخ نحناح بلوغه، فالرجل يعيش دوامة من الصراع والتطاحنات الداخلية التي لا تخفى على احد، وهو يدرك تماما أن من وعدهم بترك المنصب الوزاري ثم اخلف وعده لن يهدا لهم بال حتى يرغموه على النزول غما من حكومة احمد أويحيى أو من رئاسة الحركة، والظاهر أن فشل محاولة الصلح الأخيرة بين سلطاني والتيار المناوئ بقيادة الوزير السابق عبد المجيد مناصرة قد افقد أبو جرة صوابه وجعله يلهث وراء أي خطاب تقبل قواعد حمس استهلاكه خلال هذه الفترة الحرجة التي تمر بها قيادة حمس. والمؤكد أن سلطاني لا يؤمن حقيقة بما يقوله، فهو يشترط من جهة استقالة بوتفليقة من رئاسة الأفلان حتى "تتكرم" حركة حمس بدعمه، ثم يعود ويقول أن "الوضع الحالي للجزائر يتطلب بقاء بوتفليقة رئيسا للدولة..". لقد تعودنا على هذا الخطاب المزدوج لحركة حمس كلما دنا موعد الرئاسيات، والمعروف على هذه الحركة قدرتها الفائقة في توزيع الأدوار على بعض قيادييها وخلق سيناريوهات معينة بهدف المحافظة على الجسور مع القواعد من خلال محاولة المزج بين خطابين متناقضين، خطاب المعارضة وخطاب موالاة السلطة والمشاركة في مؤسساتها ضمن إطار نظرية النفاذ التدريجي إلى جسد الدولة، ومؤخرا فقط صرح عبد الرزاق مقري نائب رئيس الحركة الذي يحسب على التيار المتشدد في حمس بان المكان الطبيعي للحركة هو في المعارضة، وقبله دعا أبو جرة سلطاني إلى ما اسماه ترقية التحالف الرئاسي إلى "شراكة سياسية"، مما يوحي بوجود رغبة في ابتزاز السلطة قدر المستطاع قبل أن تجهر الحركة بتأييدها لبوتفليقة، علما أن هذا الخيار محسوم فيه داخل حمس وكل ما هو حاصل عبارة عن رقصات لتلهية "جمهور" الحماسيين. ولا احد يفهمك لما يصر أبو جرة سلطاني على استقالة بوتفليقة من الأفلان، وهل يعتقد زعيم حمس أن التخلي عن قبعة الجبهة قد يشبه التخلي عن قبعة أي تشكيلة سياسية أخرى، وهل يتصور سلطاني إلغاء المسار السياسي والنضالي لرجل كبوتفليقة بجرة قلم، نضال يمتد إلى عقود ويضرب جذوره في الثورة التحريرية ومرحلة البناء الوطني، ثم هل يعتقد خليفة الراحل نحناح فعلا أن التملص من الانتماء للحزب العتيد سوف يحل مشاكل الممارسة السياسية في بلد فيه أحزاب لا تستطيع أن تتميز عن جماعات الضغط، ا, عن المداومات الانتخابية؟ لقد تقدم عبد العزيز بوتفليقة لرئاسيات سنة 1999 كمرشح الإجماع، والتحقت حركة حمس بالأحزاب المناصرة من دون أن تطرح مشكل الانتماء السياسي لمرشح الرئاسة، ولا أحد يعتقد أن حمس لم تكن تدري حينها لأي حزب ينتمي بوتفليقة، من دون أن نغفل المسرحية التي عرضتها الحركة قبيل إعلانها التخلي عن مرشحها الخاص وتبني مرشح الإجماع، وسواء تعلق الأمر بحركة سلطاني أو الأحزاب الأخرى التي أيدت مرشح الإجماع ثم المرشح الحر، فكل هؤلاء عبروا عن قناعتهم بأن بوتفليقة هو الرجل المناسب والقادر على تحقيق السلم والمصالحة الوطنية والنهوض الاقتصادي في بلد أتعبته أزمة عمرت أكثر مما يجب، ويبقى أن نقول لكل من أزعجه الانتماء الحزبي للرئيس وانتمائه الجبهوي أن يقدم مرشح يلبس قباعة حزبه، سواء تعلق الأمر بحمس أو بأي تشكيلة سياسية أخرى.