كانت آية في الجمال وغنج الأنثى..جلست إلى صاحبها في مدرّج الجامعة وهي تتأمّل الدكتور وهو يلقي محاضرته.. كان لا يزال شابا تشي صفحة وجهه بوسامة وراثية..التفتت إلى صاحبها الذي لا تعرف ملامحه الذكورية لأنها تأنّثت بفعل القرط الذي يضعه في أذنه وتسريحة الشعر وشيء من...! قالت له بامتعاض ظاهر: "شفت..عندو في راسو.."! قال صاحبها بتهكّم : "كيما أنا.."! أطلقت ضحكة قوية انتبه إليها الدكتور..بعد نهاية المحاضرة تقدّمت إليه معتذرة وقالت لأستاذها: "عفوا دكتور..ربّي يحفظك..هذا راسك واش فيه..ما شاء الله.."! لم يجد ما يقوله هذا الدكتور من جيل الاستقلال وخرّيج المدرسة الجزائرية التي وُصفت بالمنكوبة إلاّ أن قال لها: " أبدا..أنا لا أفعل شيئا كبيرا..كل ما أقوم به هو أني أغذّي عقلي مثلما تغذّين جسمك.." ..وانصرف لا يلوي على شيء.. سأكتفي أنا من خلال هذه الواقعة التي جرت بكلية العلوم الإنسانية ببوزريعة بأن أطرح سؤالا عساه يحرّك ما ركد في حياتنا الذاتية : هل نحن حريصون على تغذية عقولنا وأرواحنا مثل حرصنا "المبالغ فيه" أحيانا على تغذية أجسامنا ؟ إن الإيمان يزيد وينقص في أرواحنا كما قال وأثبت الإمام الأكبر الشيخ أبو حنيفة، والأمر ذاته مع العقل من أجل رفع مستوى الوعي والفكر..فلماذا الاهتمام بما هو غريزي فقط من خلال تغذية الجسم فقط ؟ هل من مفسّر لما يحدث لنا ؟ أنا بانتظار الجواب.. "أنا لا أكرهُ الناس ولا أسطو على أحد ولكنّي.. إذا ما جعتُ آكلُ لحم مغتصبي حذار.. حذار.. من جوعي ومن غضبي"! محمود درويش