الدوحة نصبت فخا سياسيا محكما للقادة العرب خاصة أولائك الذين تبدو مواقفهم مؤيدة لإسرائيل في عدوانها الهمجي الوحشي الذي لم يشهد له التاريخ مثيلا. الفخ القطري يقوم على الدعوة لعقد قمة عربية في الدوحة يوم الجمعة 16 يناير القادم، الموضوع واحد على جدول الأعمال هو " العدوان على غزة " ، كيفية وقفه إن لم يتوقف بعد ، قبل موعد الإجتماع. والفخ القطري هو أن الموعد جاء قبل يومين من عقد " القمة الإقتصادية " في الكويت. والقادة العرب أعطوا موافقتهم منذ مدة للمشاركة فيها. وليس معقولا ولا مقبولا أخلاقيا أن يشاركوا في قمة اقتصادية يتحدثون فيها عن المال والأعمال وعن العولمة وكيفية المساهمة في إنقاذ الإقتصاد العالمي بسبب الأزمة المالية الأمريكية تحديدا، ولا يعقدون اجتماعا لغزة الشهيدة. ماذا يقولون لشعوبهم ؟ ماذا يقولون للتاريخ ؟ هذا هو الفخ ، إن الدوحة ترغب في " نزع ما تبقى من ثياب على أجسام الحكام العرب، ليظهروا على حقيقتهم بدون ثياب ولا ماكياج ولا روتوشات أمام الناس أجمعين. ولأن الفخ أيضا واضح وبدون لف ولا دوران، فإن المعني الأول بالأزمة والمتهم رقم واحد بالتآمر على غزة، وهو الرئيس المصري حسني مبارك، شد الرحال إلى عاصمة البقاع المقدسة الرياض ليتشاور مع حليفه في الأزمة الملك عبد الله بخصوص " القمة " وليس بخصوص غزة. وبعد لقائه القائدين العربيين الكبيرين في الوطن العربي، جاءت وكالات الأنباء الدولية بمعلومات تقول أن القاهرة تشارك في قمة عربية لا تعقد في قطر بل تعقد بالتشاور في الكويت. ماذا يعني هذا الكلام ؟ إنه يعني تأجيل موعد القمة من الجمعة إلى يوم الأحد أو الإثنين ليكون موضوع غزة على هامش اجتماع القمة الإقتصادية. أي أن الخرجة المصرية ترغب في الإلتفاف حول الدعوة القطرية، ونسف القمة من الأساس، مثلما التفت على المبادرة العربية في نيويورك وخرجت بالمبادرة المصرية.. فالفخ القطري يتصدى له الفخ المصري بنجاح. حيث يتم منح إسرائيل فرصة أخرى لمواصلة العدوان الهمجي الوحشي البربري على الأطفال، حتى لو افترضنا أن القمة سوف تخرج بقرارات حاسمة لها من القوة والجرأة أكثر ما لقرارات مجلس الأمن. وفي القمة الإقتصادية أو حتى في القمة العربية إن عقدت، فإنها تجد نفسها في ورطة كبيرة للغاية، إن لم تشارك فيها الدول التي تصفها الدعاية الصهيونية باسم " دول الإعتدال العربي " وهي تحديدا مصر ، السعودية والأردن، فأي قرار لا تكون فيه الدول الثلاثة طرفا يصبح بدون وزن. وأي قمة لا تشارك فيها الدول الثلاث ولو بمستوى متدن من التمثيل تصبح قمة بدون وزن. أما الإشكال الثاني فإن القادة العرب هم في ضعف لم يشهد له التاريخ مثيل، وهم على جبن لم يحدثنا عنه المؤرخون، حتى أدب الأطفال العبري الذي يدرس للأطفال الصهاينة " أن العرب جبناء " لم يتصور حكاما عربا بهذا المستوى من الجبن والتخاذل ، وبالتالي فإن القرارات التي توقف العدوان أو القرارات التي تعيد للعرب وللحكام العرب " عذريتهم المفقودة في غزة وجنوب لبنان وقبلها في العراق " لا تتمثل سوى في طرد السفراء الإسرائيليين وغلق المكاتب التجارية والسفارات ووقف التطبيع والمفاوضات .. وقرارات من هذا المستوى والوزن ما زال الله لم يرزقنا حكاما في مستوى اتخاذها. فماذا يفعلون إذن ؟ إن الجواب لا يحتاج إلى جهد كبير، فأحد الحكام قدم لنا النموذج لما سيفعلون مستقبلا : " لقد تبرع بالدم " ؟ وبناء عليه فإن القمتين سوف تقوم بالحديث عن " إعمار غزة " حتى قبل العدوان ، وسوف يعلنون عن إنشاء " صندوق غزة " ، أي أن القادة العرب سيعلنون رسميا وبشكل واضح أنهم حولوا دولهم إلى جمعيات خيرية تقوم بدور الهلال الأحمر. وإن مهمة كهذه مرفوضة رفضا مطلقا، فهي مهمة الشعب العربي من أقضاه إلى أقصاه، فهو يستطيع أن يعيد بناء غزة بتبرعاته، وبقوت يومه . رجاء يا حكامنا قوموا بمهامكم أو انسحبوا ، دعوا الشعب والمجتمع يقوم بمهامه ، لا تتدخلوا في مهام غيركم ..